للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حصول أغراضهم بأي طريق وافق، وقرر أنه لا يجب على المفتي مساعدتهم، قال: "وقال شيخنا رحمه اللَّه مرة: أنا مخيّر بين إفتاء هؤلاء وتركهم، فإنهم لا يستفتون للدين، بل لوصولهم إلى أغراضهم حيث كانت، ولو وجدوها عند غيري لم يجيئوا إليّ، بخلاف من يسأل عن دينه" (١).

سادسًا: ومن الأمور المهمة أيضًا: أن المصنّف أقام وزنًا علميًا لفتاوى شيخه واختياراته، ودعى أن تكون مثل اختيارات غيره من علماء الحنابلة المحررين المعروفين، اسمع إليه وهو يقول: "ولا يختلف عالمان متحلّيان بالإنصاف أنّ اختيارات شيخ الإسلام لا تتقاصر عن اختيارات ابن عقيل وأبي الخطاب، بل وشيخهما أبي يعلى، فإذا كانت اختيارات هؤلاء وأمثالهم وجوهًا يفتى بها في الإسلام، ويحكم بها الحكام، فلاختيارات شيخ الإسلام أسوة بها إن لم ترجح عليها، واللَّه المستعان، وعليه التكلان" (٢).

سابعًا: لا بد من التركيز على أصالة ابن القيم في اتباعه لابن تيمية. نعم هو معجب بمنهجه في الاستدلال، مرددًا أقواله، لكنه لم يكن مقلدًا له تقليدًا أعمى (٣). وإنما كان متبعًا للكتاب والسنة والآثار، ولم يرض أن يجعل أحدًا -كائنًا من كان- عيارًا على الدين، فاستمع إليه وهو يقول عن التابعين: "لا يجعلون مذهبَ رجلٍ عيارًا على القرآن والسنن، فهؤلاء أتباعهم -أي السابقين الأولين- حقًا، جعلنا اللَّه منهم بفضله ورحمته" (٤) وتأمل قوله بعد ذكره مسألة: "وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وعليه يدل النص والقياس" (٥) وهكذا فعل في جُلّ اختيارات ابن تيمية (٦)، فإنه ذكر أدلتها، وأيّدها بحجة قوية ودليل ظاهر، كيف لا، وهو قد أصّل في كتابه هذا حرمة التقليد، وعاب عليهم عدم الأخذ بالدليل، واتباع السلف، فاستمع إليه وهو يقرع المقلدين: "فلم تنكرون على من


(١) "إعلام الموقعين" (٥/ ٢٠٠).
(٢) "إعلام الموقعين" (٤/ ٥٤٣).
(٣) انظر رد فرية: (ابن القيم نسخة عن شيخه)، في كتاب "ابن القيم حياته وآثاره" (ص ٨٣ - ٨٥).
(٤) "إعلام الموقعين" (٢/ ٥٤٢).
(٥) "إعلام الموقعين" (٣/ ٤٦٣) ومثله كثير، منه قوله في (٥/ ٦٤)، بعد كلام: "وهذا هو الصواب الذي لا ريب فيه، وبه تجتمع الأحاديث، وهو اختيار شيخ الإسلام ومذهب فقهاء البصرة، ولا نختار غيره".
(٦) لا أعرف كتابًا لابن القيم اعتنى فيه باختيارات شيخه ابن تيمية مثل هذا الكتاب، وقوي عندي إفراد هذه الاختيارات في فهرس خاص، إلا أن ما ذكرته هنا تحت (بين المصنف وشيخه ابن تيمية)، وفي فهرس (الأعلام) في مواطن ذكر (ابن تيمية) أغنى عن ذلك، واللَّه الموفق.

<<  <  ج: ص:  >  >>