هذا هو موضع الخلاف على التحقيق، وأما كلمة (أنت طالق ثلاثًا) ونحوها فإنما هي محالٌ، وإنما هي تلاعب بالألفاظ، بل هي تلاعب بالعقول والأفهام!! ولا يعقل أن تكون موضع خلاف بين الأئمة التابعين فمن بعدهم. ومن جعلها من العلماء موضع خلاف فقد سبق نظره، وفاته المعنى الصحيح الدقيق. ولكنهم -رضي اللَّه عنهم- أرادوا الاحتياط في الحل والحرمة، وتغالوا فيه، ففهموا أن الاحتياط دائمًا هو في إيقاع الطلاق ولو بالشبهة، ثم نقل إليهم الخلاف في وقوع الطلاق الثلاث وعدم وقوعه، وتحققوا من إمضاء عمر إياه، وأن الصحابة وافقوه على إمضائه، وظنوا إجماعًا منهم، وفهموا أن الطلاق الثلاث يشمل اللفظ الواحد، أي قول الرجل: (أنت طالق ثلاثًا) بوصف الإنشاء بالعدد، ويشمل إيقاع ثلاث طلقات متفرقاتٍ في العدة سواء أكانت في مجلس واحد أم في مجالس. ولم يتنبهوا إلى الفرق في الوضع وفي دلالة الكلام بين صحة النوع الثاني -أي صحة الإنشاء في اللفظ؛ وأن المطلق أوقع ثلاث تطليقات. وأما صحته شرعًا وأنه طلاق معتبر، أو عدم صحته شرعًا وأنه طلاق غير معتبر: فذاك شيء آخر أي إيقاعها متفرقات، وبين بطلان النوع الأول، أي اللفظ الإنشائي المقترن بالعدد، وأنه لا يدل في الوضع إلا على إنشاءٍ واحد فقط، وأن الوصف بالعدد وصف لاغٍ- وأما الأحاديث التي تجد فيها أن فلانًا أو رجلًا طلق زوجته ثلاثًا: فإنما هي أخبار؛ أي إن الراوي يحكي عن المطلق ويخبر عنه أنه طلق ثلاثًا، فهذا إخبار صادق، لأنه يحكي عن غيره أو عن نفسه أنه أوقع ثلاث تطليقات إن شاء لكل واحدة منها، كما تحكي عن نفسك أو عن غيرك، فتقول: صلى أربع ركعات، وسبح مائة تسبيحة؛ وهكذا-. ولو تنبهوا إلى هذا الفرق لما عدلوا عنه إن شاء اللَّه، ولقالوا كما قلنا: إن وصف الطلاق الإنشائي بالعدد وصف باطل في اللغة، لاغ في دلالة الألفاظ على المعاني، وإنه لا يدل إلا على طلقة واحدة، وإنه ليس داخلًا في الخلاف في وقوع الثلاث أو عدم وقوعه، وإنه لم يعرِفه الصحابة، ولم يعرفه عمر، ولم يُمضه أحد منهم على الناس، إذ كانوا أهل اللغة والمتحققين بها بالفطرة العربية السليمة، وإنما الذي عرفوه وأمضوهُ هو النوع الثاني وحده، وهو التطليق مرة ثانية ثم مرة ثالثة قبل انقضاء العدة، في مجلس واحد أو مجالس.=