للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[لوجد] (١) أنهم كانوا يرون الثلاث واحدة إما بفتوى وإما بإقرار عليها، ولو فُرض فيهم مَنْ لم يكن يرى ذلك فإنه لم يكن منكرًا للفتوى به، بل كانوا ما بين مُفتٍ ومقرّ بفتيا وساكتٍ غيرِ منكر، وهذا حال كل صحابي من عهد الصديق إلى ثلاث سنين من خلافة عمر، وهم يزيدون على الألف قطعًا كما ذكره يونس بن بكير عن ابن إسحاق (٢)، قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير قال؛ استشهد من المسلمين في وَقعة اليمامة ألف ومئتا رجل منهم سبعون من القرّاء كلهم قد قرأوا القرآن، وتُوفي في خلافة الصديق رضي اللَّه عنه فاطمة بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعبد اللَّه بن أبي بكر (٣)، قال محمد بن إسحاق: فلما أُصيب المسلمون من المهاجرين والأنصار باليمامة وأصيب فيهم عامة فقهاء المسلمين وقرائهم فزع أبو بكر إلى القرآن، وخاف أن يهلك منه طائفة، وكل صحابي من لدن خلافة الصديق إلى ثلاث سنين من خلافة عمر كان على أن الثلاث واحدة فتوى أو إقرارًا أو سكوتًا. ولهذا ادعى بعضُ أهلِ العلم أن هذا إجماع قديم، ولم تجمع الأمة -وللَّه الحمد- على خلافه، بل لم يزل فيهم مَنْ يُفتي به قرنًا بعد قرن، وإلى يومنا هذا، فأفتى به حَبْر الأمة وتَرْجُمَان القرآن عبد اللَّه بن عبَّاس كما رواه حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس: "إذا قال أنت طالق ثلاثًا بفم واحد فهي واحدة" (٤) وأفتى أيضًا بالثلاث، أفتى بهذا وهذا، وأفتى بأنها


= وهذا المعنى قد بدا لي منذ أكثر من عشرين سنة، وتحققتُ منه، وكتبته مختصرًا في مقالٍ نشرته في جريدة الأهرام في ٣٠ مارس سنة ١٩١٦ - وكتبته أيضًا بشيء من التفصيل من نحو عشر سنين، في تعليقاتي على (الروضة الندية ج ٢ ص ٥٢ - ٥٣) - ثم لم أزل كلما فكرت فيه ازددت به يقينًا، حتى لا أجد فيه مجالًا للشك أو التردد. وقد حاولت إيضاحه هنا أتم وضوح، بما وصل إليه جهدي، فإن أكن فعلت فذاك التوفيق من اللَّه، وإن أكن عجزت فذاك وُسعُ العاجز. وفوق كل ذي علم عليمٌ.
وانظر إلى إخبار ركانة أنه طلقها ثلاثًا؛ وإلى سؤال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "في مجلس واحد؟ " فإنه يدل على أنه فهم من خبره ما يفهمه العربي وغيره بالبديهة، وهو: أنه نطق بالتطليق ثلاث مرات بثلاثة ألفاظ، ولذلك سأله".
(١) سقطت من (ك) و (ق).
(٢) في المطبوع: "أبي إسحاق".
(٣) "البداية والنهاية" (٦/ ٣٠٨).
(٤) لم أجد هذه الرواية بعد بحث، والمشهور عن ابن عباس بالأسانيد الصحيحة عنه أنها تقع ثلاثًا، فانظر: "مصنف عبد الرزاق" (٦/ ٣٩٦ - ٣٩٧)، و"سنن سعيد بن منصور" (١/ ٢٦٢)، و"سنن البيهقي" (٧/ ٣٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>