للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يأخذون منها. وكنقل الأذان للصبح قبل الفجر، وتثنية الأذان وإفراد الإقامة، وغير ذلك، فهذا النقل حجة يجب اتباعها.

ثالثًا: نقل لأماكن وأعيان ومقادير لم تتغير حالها: كنقلهم الصاع والمد، وتعيين موضع المنبر، ومسجد قباء، وتعيين الروضة والبقيع ونحو ذلك، ونقل هذا جار مجرى نقل مواضع المناسك، كالصفا والمروة ومنى ومواضع الجمرات ومزدلفة وعرفة ومواضع الإحرام.

وهذا القسم ينبغي ألا يختلف فيه، لأنه من باب النقل المتواتر ولا فرق بين القول والفعل والإقرار، كل ذلك نقل محصل للعلم القطعي، فإنهم عدد كثير وجم غفير يستحيل تواطؤهم على خلاف الصدق.

القسم الثاني: ما كان من طريق الاجتهاد والاستدلال، وهذا القسم وقع فيه خلاف بين المالكية، كما نقل ذلك ابن القيم عن القاضي عبد الوهاب، وهذا الخلاف على ثلاثة أوجه:

- أحدها: أنه ليس بحجة أصلًا، وأن الحجة هي إجماع أهل المدينة من طريق النقل، ولا يرجح به أيضًا أحد الاجتهادين على الآخر، وهذا قول معظم المالكية.

وقد أنكروا أن يكون هذا مذهبًا لمالك، أو لأحد من معتمدي أصحابه.

- الوجه الثاني: أنه وإن لم يكن حجة، فإنه يرجح به اجتهادهم على اجتهاد غيرهم، وهو قول بعض المالكية، وبه قال أصحاب الشافعي.

- والوجه الثالث: أن إجماعهم من طريق الاجتهاد حجة، وإن لم يحرم خلافه، كإجماعهم من طريق النقل، وهذا مذهب قوم من المالكية وحكوه عن مالك، وفي رسالةَ مالك إلى الليث بن سعد (١٧٥ هـ) ما يدل عليه (١).

ومن الجدير بالذكر أن الدكتور الجيدي (٢) ذكر أن الذين انتقدوا عمل أهل المدينة ورفضوا الأخذ به يظهر من كلامهم أنهم نظروا إليه باعتبار أنه إجماع، خلافًا لما ذهب إليه محققو المالكية.

وهذا الكلام لا ينطبق على ابن القيم لأنه:

١ - على معرفة دقيقة بعمل أهل المدينة.


(١) "إعلام الموقعين" (٣/ ٢٤٨ - ٢٦٧).
(٢) انظر: "العرف" له (٣٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>