للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا باستعمال الرأي في معاني النصوص، ومعانيها غائرة جمة لن تنزف بالرأي وإن فنيت الأعمار فيها، فلا يفضل الرأي للهوى؛ فيتم أمر الدين" (١).

الحاصل من ذلك: أنه ينبغي توجيه الرأي في الدين على أنه القدرة العقلية على تفسير الكتاب والسنة والاستنباط منهما، وخدمة أحكامهما، وليس هو دليلًا ثالثًا معهما، فإذا أخذ الرأي هذه الوجهة صلح أمر أهل العلم الذين هم رؤساء الناس.

وعلى أي حال؛ فإن كان القائسون يرون حصر الدين بالكتاب والسنة، ويريدون بالرأي الذهن المتوقد والقدرة العقلية على الاستنباط من الكتاب والسنة، وتنفيذ أحكامهما فلا خلاف معهم ولا إشكال في ادعاء إجماع الصحابة. وأما إن كانوا يريدون بالرأي أو القياس دليلًا ثالثًا في الدين سوى الكتاب والسنة فلا شبهة في بطلان ذلك، بل ليس ببعيد أن ندعي إجماع الصحابة على بطلانه" (٢).

وما أقعد ما قاله ابن القيم: "وقد تقدم مرارًا: أن أصح الناس قياسًا أهل الحديث، وكلما كان الرجلُ إلى الحديث أقرب كان قياسه أصح، وكلما كان عن الحديث أبعد كان قياسه أفسد" (٣)!

ثالثًا: من الأمور التي أخذها ابن القيم على نفاة القياس والمثبتين له والمتوسطين، موقفهم من التعليل:

النفاة سدوا على أنفسهم باب التمثيل والتعليل واعتبار الحكم والمصالح.

والقائلون به، غلاتهم، علقوا الأحكام بأوصاف لا يعلم أن الشارع علقها بها، واستنبطوا عللًا لا يعلم أن الشارع شرع الأحكام لأجلها.

والمتوسطون، مع إقرارهم بحجية القياس، فإنهم نفوا الحكمة والتعليل والأسباب، ذلك أن علل الشرع ما هي إلا مجرد أمارات وعلامات فقط، وذهبوا إلى أن جميع ما وجد من الخلق والأمر مقترنًا بعضه ببعض، فأحدهما دليل على الآخر مقارن له اقترانًا عاديًا، وليس بينهما ارتباط سببية ولا علة ولا حكمة.

وابن القيم يرى أن الصواب وراء ما عليه الفرق الثلاث، وهو إثبات الحكم والأسباب والغايات المحمودة في خلقه سبحانه وأمره (٤).


(١) "كشف الأسرار" (٣/ ٢٧٤).
(٢) "تمكين الباحث" (١٢٩ - ١٣١).
(٣) "إعلام الموقعين" (٣/ ١٦٨).
(٤) "إعلام الموقعين" (٢/ ٩٦ - ٩٧)، وانظر في مبحث (التعليل) عند ابن القيم إن أردت =

<<  <  ج: ص:  >  >>