للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعًا: إذا كان الفقهاء قد افترقوا في القياس فمنهم: نفاة، وغلاة، ومتوسطون، فإن لابن القيم موقفًا حسنًا، فكان بين ذلك قوامًا، حيث لم ينف القياس نفيًا باتًا كما فعل الظاهرية، ولم يغال في القياس مغالاة العراقيين، وإنما أخذ بالقياس، كما أكد ذلك في كتابه هذا، وما كان مبتدعًا بل كان متبعًا، فإن الصحابة الذين تخرج على فقههم، وإن كان بينه وبينهم الزمن الطويل، قد أخذوا بالقياس ونقل عنهم، وكثير من الأحكام التي استنبطوها بنيت عليه، وقد قال في هذا الشأن: "كان أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يجتهدون في النوازل ويقيسون بعض الأحكام على بعض، ويعتبرون النظير بنظيره. . . " (١).

فالقياس ضروري لكل من يتصدى للفتوى، ولا يمكن أن يستغني عنه فقيه.

ولقد قال المزني، صاحب الشافعي: "الفقهاء من عصر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يومنا وهلم جرا، استعملوا المقاييس في الفقه في جميع الأحكام في أمر دينهم، قال: وأجمعوا بان نظير الحق حق ونظير الباطل باطل، فلا يجوز لأحد إنكار القياس" (٢).

ولعل ابن القيم من الذين أعطوا القياس عناية كبيرة، وقد دفعهم إلى ذلك حاجة الزمن، فإن الناس قد جدت لهم أحداث اضطروا فيها إلى أن يفتوا وأن يقيسوا على فتوى الصحابة والأمور المنصوص على حكمها، واضطروا أن يخرجوا على أقوال إمامهم، ولا بد لذلك من القياس، فسلكوا طريقه واجتهدوا واستنبطوا.

خامسًا: نوع القياس الذي يأخذ به:

يدل لفظ القياس عند ابن القيم على أمور ثلاثة:

١ - الرأي: بعد أن ذكر أن يحيى بن أكثم يرى أن الرجل يجب عليه أن يفتي إذا كان بصيرًا بالرأي بصيرًا بالأثر، قال ابن القيم: "يريد بالرأي القياس الصحيح والمعاني والعلل الصحيحة التي علق الشارع بها الأحكام، وجعلها مؤثرة فيها طردًا وعكسًا" (٣).


= الاستزادة: "تعليل الأحكام" للشلبي (٦٨، ٧٤، ٣٠٤، ٣٢٧، ٣٧٧ - ٣٧٩) وما سيأتي تحت عنوان (عنايته بمحاسن الشريعة وحكمها).
(١) "إعلام الموقعين" (١/ ٣٥٤).
(٢) "إعلام الموقعين" (١/ ٣٥٩).
(٣) "إعلام الموقعين" (١/ ٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>