للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه السابع والثلاثون: أن اللَّه سبحانه أوجَبَ الحدود على مرتكبي الجرائم التي تتقاضاها الطباع (١) وليس عليها وازع طبعي، والحدودُ عقوبات لأرباب الجرائم في الدنيا كما جعلت عقوبتهم في الآخرة بالنار إذا لم يتوبوا، ثم إنه تعالى جعل التائب من الذنب كمن لا ذَنْبَ له (٢)؛ فمن لقيه تائبًا توبة نصوحًا لم يعذبه مما تاب منه، وهكذا في أحكام الدنيا إذا تاب توبة نصوحًا قبل رَفعه إلى الإمام سقط عنه الحد في أصح قولي العلماء، فإذا رفع إلى الإمام لم تُسقط توبتهُ عنه الحدَّ [وإن غلب على ظنه أنه لا يعود إليها] (٣) لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى تعطيل حدود اللَّه؛ إذ لا يعجز كل من وجب عليه حدُّ اللَّه تعالى (٤) أن يُظهر التوبة ليتخلَّص من العقوبة وإن تاب توبة نصوحًا سدًا لذريعة السقوط (٥) بالكلية.

الوجه الثامن والثلاثون: أن الشارع أمر بالاجتماع على إمام واحد في الإمامة الكبرى (٦)، وفي الجمعة والعيدين والاستسقاء وصلاة الخوف (٧)، مع كون صلاة


(١) قال (و): "يريد ابن تيمية قوله: كالزنا والشرب والسرقة والقذف دون أكل الميتة والرمي بالكفر ونحو ذلك؛ فإنه اكتفى فيه [منه] بالعزيز".
قلت: هو في "بيان الدليل" (ص ٣٧٠).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) ما بين المعقوفتين من (و)، وعلق قائلًا: "عن ابن تيمية ص ٢٦٢ ج ٣ فتاوى" اهـ.
(٤) كذا في (ق) و (ك) وفي سائر الأصول: "الحد".
(٥) في المطبوع: "السكوت"! وجاء هذا الوجه في (ق) و (ك) مكان الوجه الثاني والثمانين.
(٦) إن كان يقصد بالإمامة الكبرى "إمارة المؤمنين" ففي هذا حديث: "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما"، رواه مسلم (١٨٥٣) في "الإمارة": باب إذا بويع لخليفتين، من حديث أبي سعيد الخدري، وإن أراد بها إمامة الصلاة -وهو الظاهر- ففي هذا أحاديث كثيرة جدًا قولية وفعلية، منها حديث مالك بن الحويرث حيث قال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولصاحب له: "إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما".
رواه البخاري (٦٢٨) في "الأذان": باب ليؤذن في السفر مُؤذن واحد -وأطرافه كثيرة انظرها هناك-، ومسلم (٦٧٤) في "المساجد": باب من أحق بالإمامة.
(٧) أما في الجمعة فقد تواتر عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه كان يخطب بأصحابه ويصلِّي بهم، منها حديث أنس بن مالك: رواه البخاري (٩٠٥ و ٩٤٠)، وحديث سهل بن سعد: رواه البخاري (٩٣٩)، ومسلم (٨٥٩)، وحديث أبي هريرة: رواه مسلم (٨٧٧)، وحديث النعمان بن بشير: رواه مسلم (٨٧٨).
وأما صلاة العيدين: فصلاته أيضًا -صلى اللَّه عليه وسلم- بأصحابه وإمامته بهم ثابت في أحاديث:
منها حديث ابن عباس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خَرَجَ يوم فِطرِ أو أضحى فصلّى بالناس ركعتين ثم انصرف. =

<<  <  ج: ص:  >  >>