للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديث ابن مسعود (١)، وذلك للقدر المشترك بين هؤلاء الأصناف وهو التدليس والتلبيس؛ فإن هذه تُظْهر من الخِلقْة ما ليس فيها، والمحلل يظهر من الرَّغْبة ما ليس عنده، وآكل الربا يستحله بالتدليس والمخادعة فيُظهر من عَقْد التبايع ما ليس له حقيقة، فهذا يستحل الربا بالبيع، وذاك يستحل الزنا باسم النكاح، فهذا يفسد الأموال، وذاك يفسد الأنساب، وابن مسعود هو راوي هذا الحديث، وهو راوي حديث: "ما ظهر الزنا والربا في قوم إلا أحلّوا بانفسهم العقاب" (٢) واللَّه تعالى مسخ الذين استحلَّوا محارمه بالحيل قردَةً وخنازير جزاء من جنس عملهم؛ فإنهم لما مسخوا شَرْعه وغيَّروه عن وجهه مسخ وجوههم وغيرها عن خلقتها، واللَّه سبحانه وتعالى ذم أهل الخِدَاع والمكر، ومن يقول بلسانه ما ليس في قلبه، وأخبر أن المنافقين يُخادعون اللَّه (٣) وهو خادعُهم، وأخبر عنهم بمخالفة ظواهرهم لبواطنهم وسرائرهم لعلانيتهم وأقوالهم لأفعالهم، وهذا شأن أرباب الحيل المحرمة، وهذه الأوصاف منطبقة عليهم؛ فإن المخادعة هي الاحتيال والمراوغة


(١) سبق تخريجه.
(٢) رواه أحمد في "مسنده" (١/ ٤٠٢)، وأبو يعلى (٤٩٨١)، ومن طريقه ابن حبان (٤٤٠٩) من طريق شربك عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود عن أبيه مرفوعًا به، وعند أحمد وأبي يعلى زيادة في أوله.
قال الهيثمي (٤/ ١١٨): "وإسناده جَيِّد"!
قلت: أنّى له الجودة، وفيه شريك، وهو القاضي سيء الحفظ، وقد اختلف فيه.
فرواه سلام بن سليم عن سماك عن عبد الرحمن عن أبيه قوله: "إذا ظهر الزنا والربا في قرية أذن بهلاكها".
أخرجه ابن أبي الدنيا في "العقوبات" (٩)، وهذا أشبه.
ورواه عمرو بن أبي قيس عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
أخرجه الطبراني في "الكبير" (٤٦٠) من طريق علي بن هاشم بن مروزق عن أبيه عنه به.
قال الهيثمي في "المجمع" (٤/ ١١٨): هاشم بن مروزق لم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات.
وهاشم هذا وثقه أبو حاتم.
ورواه عمرو بن أبى قيس أيضًا عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس.
أخرجه الحاكم (٢/ ٣٧) من طريق محمد بن سعيد بن سابق عنه به مرفوعًا، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، مع أن رواية سماك عن عكرمة مضطربة!
(٣) في (ك) و (ق): "يخادعونه".

<<  <  ج: ص:  >  >>