للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإنه لا يرجع به؛ لأنه استوفى العوض، فإذا غرم عوضه لم يرجع به، والصحيح قوله (١) الأول؛ لأنه لم يدخل على استيفائه بعوض، ولو علم أنه يستوفيه بعوضه لم يدخل على ذلك، ولو علم الضيف أن صاحب البيت أو غيره يغرمه الطعام لم يأكله، ولو ضمّن المالك ذلك كله للغاصب جاز، ولم يرجع على القابض إلا بما (٢) يرجع به عليه، فيرجع عليه إذا كان مستأجرًا بما غرمه من الأجرة. وعلى القول الذي اخترناه إنما يرجع عليه بما التزمه من الأجرة خاصة، ويرجع عليه إذا كان مشتريًا بما غرمه من قيمة العين، وعلى القول الآخر إنما يرجع عليه (٣) بما بذله (٤) من الثمن، ويرجع عليه إذا كان مستعيرًا بما غرمه من قيمة العين؛ إذ لا مسمى هناك، وإذا كان مُتَّهِبًا أو مودعًا لم يرجع عليه بشيء، فإن كان القابض من الغاصب هو المالك فلا شيء له بما استقر عليه (٥) لو كان أجنبيًا، وما سواه فعلى الغاصب؛ لأنه لا يجب له على نفسه شيء، وأما ما لا يستقر عليه لو كان أجنبيًا بل يكون قراره على الغاصب فهو على الغاصب أيضًا هاهنا.

والقول الثاني: أنه ليس للمالك مطالبة المغرور ابتداءً، كما ليس له مطالبته قرارًا، وهذا هو الصحيح، ونص عليه الإمام أحمد رحمه اللَّه في المُودِع إذا أودعها -يعني الوديعة- عند غيره من غير حاجة (٦) فتلِفَت فإنه لا يضمن الثاني إذا لم يعلم، وذلك لأنه مغرور (٧).

وطَرْد هذا النص أنه لا يطالب (٨) المغرور في جميع هذه الصور، وهو الصحيح؛ فإنه مغرور (٩) ولم يدخل على أنه مطالب، فلا هو التزم المطالبة ولا الشارع ألزمه بها، وكيف يُطالب المظلوم المغرور ويُترك الظالم الغارّ؟ ولا سيما إن كان محسنًا بأخْذِهِ الوديعة {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: ٩١] (١٠) {إِنَّمَا


(١) في (ك) و (ق): "القول".
(٢) في (ك): "إلا بما لا".
(٣) في (و): "إليه".
(٤) في (ن) و (ق): "بما بذل له".
(٥) في (ن) و (ق): "كما يستقر عليه"، وفي (ك): "لما استقر عليه".
(٦) في (ق): "عنده من غير حاجة".
(٧) انظر: "منتهى الإرادات" (٢/ ٤٥٣ - ٤٥٤)،"كشاف القناع" (٤/ ١٩٣)، "الفنون" (١/ ١٢) لابن عقيل، "المغني" (٩/ ٢٦١)، وفي (ق): "أنه مغرور".
(٨) في (ن) و (ك) و (ق): "لا يضمن".
(٩) في (ن) و (ك) و (ق): "معذور".
(١٠) هنا خطأ وقع في (ط) و (ن) و (د)، وصوبه (و)، و (ح)، وقال (و): "هذا أحد الأخطاء التي تكررت كثيرًا في آيات القرآن، ففي الأصل وصل بين قوله: {وما على المحسنين =

<<  <  ج: ص:  >  >>