للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستثناء مع النسيان أظهر دلالة، ومن شرط النية قبل الفراغ لم يكن لذكر الاستثناء بعد النسيان عنده تأثير. وأيضًا فالكلام بآخره، وهو كلام [واحد] (١) متصل بعضه ببعض، فلا (٢) معنى لاشتراط النية في أجزائه وأبعاضه، وأيضًا فإن الرجل قد يستحضر بعد فراغه من الجملة ما يرفع بعضها، ولا يذكر ذلك في حال تكلّمه بها، فيقول: لزيد عندي ألف درهم، ثم في الحال يذكر أنه قضاه منها مئة فيقول: إلا مئة، فلو اشترط نية الاستثناء قبل الفراغ لتعذر عليه استدراك ذلك وألجئ إلى الإقرار بما لا يلزمه والكذب [فيه] (٣). وإذا كان هذا في الإخبار فمثله في الإنشاء سواء، فإن الحالف قد يبدو له فيعلِّق اليمين بمشيئة اللَّه، وقد يذهل في أول كلامه عن قصد الاستثناء، أو يشغله شاغل عن نيته، فلو لم ينفعه الاستثناء حتى يكون ناويًا له من أول يمينه لفات مقصود الاستثناء، وحصل الحرج الذي رفعه اللَّه تعالى عن الأمة به، ولما قال لرسوله إذا نسيه: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: ٢٤] وهذا متناول لذكره إذا نسي الاستثناء قطعًا، فإنه سب النزول (٤)، ولا يجوز إخراجه وتخصصيه لأنه مراد قطعًا، وأيضًا فإن صاحب هذا القول إن طرده لزمه ألا يصح مخصِّص من صفة أو بدل أو غاية أو استثناء بإلا ونحوها حتى ينويه المتكلم من أول كلامه، فإذا قال: له عليّ ألف مؤجلة إلى سنة" هل يقول عالم: إنه لا يصح وصفها بالتأجيل حتى يكون منويًا من أول الكلام؟ وكذلك إذا قال: "بعتك هذا بعشرة" فقال: "اشتريته على أن لي الخيار ثلاثة أيام" يصح هذا الشرط وإنْ لم ينوه من أول كلامه، بل عَنَّ له الاشتراط عقيب القبول. ومثله لو قال: "وقفت داري على أولادي أو غيرهم بشرط كونهم فقراء مسلمين (٥)، أو متأهلين، وعلى أنه من مات منهم فنصيبه لولده أو للباقين" (٦) صح [له] (٧) ذلك وإن عنَّ له ذكر هذه الشروط بعد تلفظه بالوقف. ولم يقل أحد: لا تقبل منه هذه الشروط إلا أن يكون قد نواها قبل الوقف أو معه، ولم يقع في زمن من الأزمنة [قط] (٨) سؤال الواقفين عن ذلك، وكذلك لو قال: "له عَلَيَّ مئة درهم إلا عشرة" فإنه يصح الاستثناء، وينفعه، ولا يقول له الحاكم: "إنْ كنتَ نويتَ


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٢) في المطبوع و (ك): "ولا".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٤) انظر: "لباب النقول" (ص ١٤٤) للسيوطي.
(٥) في (ق) و (ك): "فقراء أو مسلمين".
(٦) في (ق): "لولده وللباقين".
(٧) ما بين المعقوفتين من (ق) و (ك).
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>