للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: هذه مغالطة (١) ظاهرة؛ فإن الاستثناء هاهنا ليس إخراج جملة ما تناوله المذكور ليلزم ما ذكرت، وإنما هو تقييد لمطلق الكلام الأول بجملة أخرى مخصصة لبعض أحوالها أي: أنت طالق في كل حالة إلا حالة واحدة، وهي حالة لا يشاء اللَّه فيها الطلاق؛ فإذا لم يقع منه طلاق بعد هذا علمنا بعدم وقوعه أن اللَّه تعالى (٢) لم يشأ الطلاق؛ إذ لو شاءه لوقع، ثم ينتقض هذا بقوله: "إلا أن يشاء زيد"، و"إلا أن تقومي" ونحو ذلك؛ فإن الطلاق لا يقع إذا لم يشأه زيد، وإذا لم تقم، وسُمِّي هذا التعليق بمشيئة اللَّه تعالى (٣) استثناء في لغة الشارع؛ كقوله تعالى (٢): {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ} [القلم: ١٧ - ١٨] أي: لم يقولوا: إن شاء اللَّه، فمَنْ حلف فقال: إن شاء اللَّه، فقد استثنى؛ فإن الاستثناء استفعال من ثَنَيْتُ الشيءَ، [كأنَّ المستنثى] (٤)، بإلَّا قد عاد على كلامه، فَثنى آخره على أوله بإخراج ما أدخله أولًا في لفظه (٥)، وهكذا التقييد (٦) بالشرط سواء؛ فإن المتكلم به قد ثَنَى آخرَ كلامه على أوله، فقيَّد به ما أطلقه أولًا، وأما تخصيص الاستثناء بإلَّا وأخواتها فعُرْفٌ خاصٌ للنُّحاة.

وقولكم: "إن كان شرطًا ويراد به: إن كان اللَّه قد شَاءَ طلاقك [في المستقبل] (٧) فينفذ لمشيئة اللَّه تعالى له بمشيئته لسببه، وهو الطلاق المذكور، وإن أراد به إن شاء اللَّه أن أطلِّقك في المستقبل، فقد علَّقه بما لا سبيل إلى العلم به، فيلغو التعليق، ويبقى أصل الطلاق"، فهذا هو أكبر عُمْدة الموقعين، ولا ريب أنه إن أراد بقوله: أنت طالق إن كان اللَّه قد شاء تكلُّمي -بهذا اللفظ- أو شاء طلاقكِ بهذا اللفظ، طلقتِ، [و] (٧) لكن المُستثني لم يُرِدْ هذا بل ولا خطر على باله، فيبقى (٨) القسم الآخر؛ وهو أن يريد: إن شاء اللَّه وقوع الطلاق عليك فيما يأتي، فهذا تعليقٌ صحيح معقول، يمكن العلم بوجود ما علق عليه بوجود سَببه كما تقدم بيانه.


(١) في المطبوع و (ك): "مغلطة".
(٢) في (ق) و (ك): "سبحانه".
(٣) في (ق) و (ك): "بمشيئته سبحانه".
(٤) بدل ما بين المعقوفتين في (ق) و (ك): "فالمستثنى".
(٥) انظر: "لسان العرب" (١٤/ ١١٥ - دار الفكر) مادة "ثني"، و"الاستغناء في الاستثناء" للقرافي (ص ١٤ - ٢٠ دار الكتب العلمية).
(٦) في المطبوع: "التقيد".
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٨) في المطبوع و (ك): "فبقي".

<<  <  ج: ص:  >  >>