للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قولكم: "إنه علَّق الطلاق بما لا يخرج عنه كائن، فوجب (١) نفوذه، كما لو قال: أنت طالق إن عَلِم اللَّه، أو إن قدر [اللَّه] (٢)، أو سمع [اللَّه] (٢) إلى آخره"، فما أبطلها من حجة! فإنها لو صحَّت لبطُلَ حكم الاستثناء في الأيمان لما ذكرتموه بعينه، ولا نفع الاستثناء في موضع واحد (٣)، ومعلوم أن المُستثني لم يخطر هذا على باله، وإنما أراد تفويض الأمر إلى مشيئة اللَّه وتعليقه به، وأنه إن شاءه وقع (٤)، وإن لم يشأه لم يقع، ولذلك (٥) كان مستثنيًا أي وإن كنت قد التَزَمْتُ اليمين أو الطلاق أو العتاق، فإنما التزمته (٦) بعد مشيئة اللَّه وتبعًا لها فإن شاءه فهو تعالى (٧) ينفذه بما يحدثه من الأسباب، ولم يُرد المُستثني إن كان للَّه (٨) مشيئة أو علم أو سمع أو بصر فأنت طالق، ولم يخطر ذلك بباله البتة.

يوضحه أن هذا مما لا يقبل التعليق، ولا سيّما بأداة (إنْ) التي [هي] (٩) للجائز الوجود والعدم، ولو شك في هذا لكان ضالًا بخلاف المشيئة الخاصة؛ فإنها يمكن أن تتعلَّق بالطلاق وأن لا تتعلق به، وهو شاكٌ فيها كما يشك العبدُ فيما يمكن أن يفعله اللَّه [سبحانه] (٩) به، وأن لا يفعله هل شاءهُ أم لا؟ فهذا هو المعقول الذي في فطر الحالِفين والمُستثنين، وحذف مفعول المشيئة لم يكن لما ذكرتم، وهو عدم إرادة مفعول معيّن، بل للعلم به، ودلالة الكلام عليه، وتعيّن إرادته (١٠)؛ إذ المعنى: إن شاء اللَّه طلاقَك فأنت طالق، كما لو قال: "واللَّه لأسافرنَّ إن شاء اللَّه" أي إن شاء [للَّه] (٩) سَفَري، وليس مراده: إن كان للَّه صفة هي المشيئة؛ فالذي قدّرتموه من المشيئة المطلقة هو الذي لم يخطر ببال الحالف والمطلِّق، وإنما الذي لم يخطر بباله سواه هو المشيئة المعينة الخاصة.

[و] (١١) قولكم: "إن المُستثني لو سئل عما أراد لم يفصح بالمشيئة الخاصة، بل تكلَّم بلفظ الاستثناء بناءً على ما اعتاده الناس من التكلم بهذا اللفظ" كلامٌ غير سَديد، فإنه لو صح لما نفع الاستثناء في يمين قط، ولهذا نقول: إن قصد التحقيق


(١) في (ك): "فوجبت".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٣) في (ك): "ولا يقع الاستثناء إلا في موضع واحد".
(٤) في المطبوع: "نفذ"، وفي (ك): "إن شاء نفذ".
(٥) في (ك): "وكذلك".
(٦) في المطبوع و (ك): "ألتزمه".
(٧) في (ق): "سبحانه"، وفي (ك): "شاء تعالى".
(٨) في المطبوع: "اللَّه".
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ك).
(١٠) في (ق) و (ك): "ومعنى إرادته".
(١١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>