للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتارة ينقلونه عنه بلفظه، وتارة بمعناه، فيكون ما فسَّروه (١) بألفاظهم من باب الرواية بالمعنى، كما يروون عنه السنة تارة بلفظها وتارة بمعناها، وهذا أحسن الوجهين، واللَّه أعلم.

فإن قيل: فنحن نجد لبعضهم أقوالًا في التفسير تخالف الأحاديث المرفوعة الصحاح، وهذا كثير، كما فسَّر ابن مسعود الدخان بأنه الأثر الذي حصل عن الجوع الشديد والقحط (٢)، وقد صح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه دخان يأتي قبل يوم القيامة يكون من أشراط الساعة مع الدابة والدَّجال وطلوع الشمس من مغربها (٣)، وفسر عمر بن الخطاب قوله [تعالى] (٤): {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦] بأنها للبائنة والرجعية، حتى قال: لا ندع كتابَ ربنا (٥) لقول امرأة (٦). مع أن السنة الصحيحة في البائن تخالف هذا التفسير (٧)، وفسَّر علي بن أبي طالب (٨)، قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] أنها عامة في الحامل والحائل، فقال: تعتد أبعد الأجلين (٩)، والسنة


(١) في المطبوع: "ما فسروا".
(٢) أخرجه البخاري في عدة مواضع من "الصحيح" منها: "كتاب التفسير": في تفسير سورة الروم (٨/ ٥١١/ رقم ٤٧٧٤)، وباب {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (٨/ ٥٧١/ رقم ٤٨٢١)، وباب {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} (٨/ ٥٧٣ /رقم ٤٨٢٢)، وباب {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} (٨/ ٥٧٣ /رقم ٤٨٢٣)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب صفات المنافقين وأحكامهم): باب الدخان (٤/ ٢١٥٥ - ٢١٥٧/ رقم ٢٧٩٨) عن ابن مسعود.
(٣) روى مسلم في "صحيحه" (٢٩٤٧) في (الفتن وأشراط الساعة): باب في بقية من أحاديث الدجال عن أبي هريرة مرفوعًا: "بادروا بالأعمال ستًا: طلوع الشمس من مغربها أو الدخان".
روى أيضًا (٢٩٠١) في (الآيات التي تكون قبل الساعة) من حديث حذيفة بن أسيد مرفوعًا: "إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خَسْفٌ بالمشرق. . . والدخان".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٥) في (ق): "كتاب ربنا وسنة نبينا".
(٦) رواه مسلم في "الصحيح" (كتاب الطلاق): باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها (٢/ ١١١٧/ ١٤٨٠ [٤٦])، وتفسير عمر إنما هو لآية: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} كما هو مبين في الحديث نفسه.
(٧) هو في نفس الحديث السابق في "صحيح مسلم" (١٤٨٠) بعد (٣٦) - (٥١).
(٨) في المطبوع زيادة: "كرم اللَّه وجهه".
(٩) روى عبد الرزاق (١١٧١٤)، ومن طريقه الطبراني في "الكبير" (٩٦٤١) عن معمر والثوري عن الأعمش عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، عن مسروق قال ابن مسعود. . . =

<<  <  ج: ص:  >  >>