للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمكن أحدًا أن ينقل عن أَئمة الإسلام الذين لهم في الأمة لسان صدق ما يخالف ذلك [البتة] (١)، بل نَشهد باللَّه وللَّه (٢) أن الأئمة لا تخالف ما ذكرناه (٣)، [وأن هذا نفس قولهم، وقد أعاذهم اللَّه من غيره] (١)، وإنما يقع الغلط لكثير (٤) من المنتسبين إليهم في فهم أقوالهم، كما وقع لبعض من نصب نفسه للفتوى من أهل عصرنا: ما تقول السادة الفقهاء في رجل وقف على أهل الذمة هل يصح ويتقيد الاستحقاق بكونه منهم؛ فأجاب بصحة الوقف وتقييد الاستحقاق بذلك الوصف، وقال: هكذا قال أصحابنا، ويصح الوقف على أهل الذمة (٥)، فأنكر ذلك شيخنا عليه غاية


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٢) في المطبوع: "باللَّه واللَّه"، وفي (ق): "للَّه وباللَّه".
(٣) في (ق): "لا يخالفون ما ذكرنا".
(٤) في (ت) و (ك): "الغلط الكثير"، وفي المطبوع: "الغلط من كثير".
(٥) هذا هو المنصوص عليه في كتب الحنفية، قال ابن عابدين في "منحة الخالق" (٥/ ٢٥٤): "ولو عين مساكين أهل دينه: تعينوا، ولا يجوز صرفها لغيرهم، فإن فرقها القيم في غيرهم: يكون ضامنًا لما فرق لمخالفته الشرط، وإن كان أهل الذمة ملة واحدة، لتعين الوقف بمن يعينه الواقف" وقالوا: شرط الواقف غير المسلم معتبر كشرط الواقف المسلم، حتى لو أنه شرط أن من أسلم من ولده أخرج: اعتبر شرطه، كشرط المعتزلي أن من صار سنيًا أخرج، وليس هذا من قبل اشتراط المعصية: لأن التصدق على الكافر -غير الحربي- قربة وقالوا: وليس في المذهب خلاف -يعتد به- في ذلك انظر: "الإسعاف" (١٠٢).
ومع ذلك، فإن الطرسوسي -من متاخري الحنفية- أنكر هذا وشنع عليه: بأنه من قبيل جعل الكفر سببًا للاستحقاق، والإسلام سببًا للحرمان.
وقد أجاب الكمال بن الهمام، فقال في "فتح القدير" (٥/ ٣٨) ما نصه: "وهذا للبعد عن الفقه، فإن شرائط الواقف معتبرة إذا لم تخالف الشرع، والواقف مالك: له أن يجعل ماله حيث شاء ما لم يكن معصية، وله أن يخص صنفًا من الفقراء دون صنف، وإن كان الوضع في كلهم قربة، ولا شك أن التصدق على أهل الذمة قربة حتى جاز أن تدفع إليهم صدقة الفطر والكفارات عندنا، فكيف لا يعتبر شرطه في صنف دون صنف من الفقراء؟!. . . والإسلام ليس سببًا للحرمان، بل الحرمان: لعدم تحقق سبب نملكه هذا المال والسبب هو: إعطاء الواقف المالك".
وانظر: "أحكام أهل الذمة" للمصنف (١/ ٦٠١ - ٦٠٦ - ط الرمادي) و"القواعد" (٢/ ٥٩٤ - بتحقيقي) لابن رجب، و"أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام" (ص ٧٢) و"أحكام الوقف" (١/ ٤١١ - ٤١٢).
وفي هامش (ق): "يجوز الوقف على الذميين، وشرط الاستحقاق ما دام ذميًا لاغٍ، وصحّحه في "الفنون""، وفيها: "وصح" بدل "ويصح".

<<  <  ج: ص:  >  >>