للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض.

قيل: [هذا] (١) منشأ الوهم والإيهام في هذه المسألة، وهو الذي قام بقلوب ضعفة المتفقِّهين فالتزموا وألزموا من الشروط بما غيره أحبُّ إلى اللَّه وأرضى له منه بإجماع الأمة بالضرورة المعلومة من الدين.

وجواب هذا الوهم أن الجاعل يبذل ماله في غرضه الذي يريده إما محرمًا أو مكروهًا أو مباحًا أو مستحبًا أو واجبًا (٢) لينال غرضه الذي بذل فيه ماله، وأما الواقف فإنما يبذل ماله فيما يقربه إلى اللَّه [وثوابه، فهو لما علم أنه لم يبق له تمكَّن من بذل ماله في أغراضه أحبَّ أن يبذله فيما يقربه إلى اللَّه] (٣) وما هو أنفع له في الدنيا والآخرة (٤)، ولا يشك عاقل أن هذا غرض الواقفين، بل، ولا يشك واقف أنَّ هذا غرضه واللَّه سبحانه وتعالى ملَّكه المال لينتفعَ به في حياته وأذن له أن يحبسه لينتفع به بعد وفاته فلم يملِّكه أن يفعل به بعد موته ما كان يفعل به في حياته، بل حجر عليه فيه وملكه ثلثه يُوصي به بما يجوز ويسوغ أن يوصي به حتى إن خاف (٥) أو جار أو أثم في وصيته جَازَ (٦)، بل وجَبَ على الموصي (٧)، والورثة رد ذلك الجور والحيف (٨) والإثم؛ ورفع سبحانه الإثم عمن يرد ذلك الحيف (٨) والإثم من الورثة والأوصياء، فهو سبحانه لم يملكه أن يتصرف في تحبيس ماله بعده (٩) إلا على وجه يقرّبه إليه ويدنيه من رضاه لا على أي وجه [أراد، ولم يأذن اللَّه ولا رسوله للمكلف أن يتصرف في تحبيس ماله بعده على أي وجه أراده] (١٠) أبدًا، فأين في كلام اللَّه ورسوله أو أحد من الصحابة ما يدل على أن لصاحب المال أن يقف ما أراد على من أراد، ويشرط ما أراد، ويجب على الحكام والمفتين أن ينفذوا وقفه ويلزموا بشروطه] (١١)، وأما ما قد لهج به بعضهم من قوله: "شروط الواقف (١٢) كنصوص الشارع"، [فهذا يرادُ به معنى صحيح ومعنى باطل] (١٣)، فإن أريد أنها كنصوص الشارع في الفهم والدلالة وتقييد


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ت).
(٢) في (ت) و (ك): "أو راجحًا"!
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ت).
(٤) في المطبوع و (ك): "في الدار الآخرة".
(٥) في (ت): "إن أجنف".
(٦) في (ت) و (ك): "ساغ".
(٧) في "المطبوع: "الوصي".
(٨) في (ك): "الجنف".
(٩) في (ك): "أن يتصرف بتحبيس أصله".
(١٠) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(١١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق)، وقال في الهامش: "سقط هنا بعض كلامه".
(١٢) في (ت) و (ق): "نصوص الواقف".
(١٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>