للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يقول ما شاء (١)، ذكره أحمد.

وفيه دليل على أن الكلام إذا لم يرد به قائله معناه إما لعدم قصده له، أو لعدم علمه به، أو أَنه أراد به غير معناه، لم يلزمه ما لم يُرِدْه بكلامه، وهذا هو دين اللَّه الذي أرسل به رسوله، ولهذا لم يُلزم المكره على التكلّم بالكفر؛ الكفر، ولم يُلزم زائل العقل بجنون أو نوم أو سكر ما تكلَّم به، ولم يلزم الحجاج بن علاط حكم ما تكلَّم به؛ لأنه أراد به غير معناه، ولم يعقد قلبه عليه، وقد قال اللَّه تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩] وفي الآية الأخرى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: ٢٢٥] فالأحكام في الدنيا والآخرة مرتبة على ما كسبه القلب وعقد عليه وأراده من معنى كلامه (٢).

وسألته -صلى اللَّه عليه وسلم- امرأة فقالت: يا رسول اللَّه، إن نساءً في الجاهلية أسعدتنا (٣)، يعني في النَّوح، أفنسعدهنّ (٤) في الإسلام؟ فقال: "لا إسعاد في الإسلام، ولا شِغَار في الإسلام، ولا عَقْرَ في الإسلام، ولا جَلَب في الإسلام، ومن انتهب فليس منا" (٥)، ذكره أحمد.

فالإسعاد (٦) إسعاد المرأة في مصيبتها بالنَّوح، والشِّغار أن يزوِّج الرجل ابنته على أَن يزوجه الآخر ابنته، والعَقْر: الذبج على قبور الموتى. والجَلَب: الصياح على الفرس في السباق، والجنب (٧): أن يجنب فرسًا فإذا أَعيت فرسه انتقل إلى تلك في المسابقة.


(١) تقدم تخريجه.
(٢) انظر: كلامه -رحمه اللَّه- أيضًا في المعاريض في "إغاثة اللفهان" (٢/ ١٠٥).
(٣) في المطبوع: "ان نساءً أسعدنني في الجاهلية".
(٤) في المطبوع: "أفأسعدهن".
(٥) رواه عبد الرزاق (٦٦٩٠)، ومن طريقه أحمد (٣/ ١٩٧)، والنسائي (٤/ ١٦) في (الجنائز): باب النياحة على الميت، وابن حبان (٣١٤٦)، والبيهقي (٤/ ٦٢) عن معمر عن ثابت عن أنس به، وهذا إسناد على شرط الشيخين.
وروى بعضه عبد الرزاق (١٠٤٣٤)، عن معمر عن ثابت وأبان عن أنس.
(٦) في المطبوع: "والإسعاد".
(٧) يذكر الجنب في لفظ الحديث" (ط).
قلت: هنا في المطبوع من "إعلام ابن القيم" لم يذكر "الجنب" أما الحديث في مصادره فمذكورة هذه اللفظة، وانظر "الفروسية" للمصنف (١٦٧ - تحقيقي).

<<  <  ج: ص:  >  >>