للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعورض بهذا الحديث المتشابه الأحاديث المحكمة الصريحة في المنع من تزويج البغايا، واختلفت مسالك المُحرِّمين لذلك فيه فقالت طائفة: المراد باللامس ملتمس الصدقة لا ملتمس الفاحشة، وقالت طائفة: بل هذا في الدوام غير مؤثر، وإنما المانع ورود العقد على زانية، فهذا هو الحرام، وقالت طائفة: بل هذا من التزام أَخف المفسدتين لدفع أعلاهما، فإنه لما أمر بمفارقتها خاف أن لا يصبر عنها فيواقعها حرامًا فأمره حينئذ بإمساكها إذ مواقعتها بعد عقد النكاح أقل فسادًا من مواقعتها بالسفاح، وقالت طائفة: بل الحديث ضعيف لا يثبت، وقالت طائفة: ليس في الحديث ما يدل على أنها زانية، وإنما فيه أنها لا تمتنع ممن لمسها أو وضع يده عليها أو نحو ذلك فهي تعطي الليان لذلك، ولا يلزم أن تعطيه الفاحشة الكبرى، ولكن هذا لا يُؤمن معه إجابتها لداعي الفاحشة، فأمره بفراقها تركًا لما يَريبه إلى ما لا يريبه، فلما أخبره بأن نفسه تتبعها، وأنه لا صبر له عنها رأى مصلحة إمساكها أرجح من مفارقتها لما يكره من عدم انقباضها عمن يلمسها فأمره بإمساكها، وهذا لعله أرجح المسالك واللَّه أعلم.

وسألته -صلى اللَّه عليه وسلم- امرأة فقالت: إن زوجي طلقني، يعني ثلاثًا، وإني تزوجت زوجًا غيره، وقد دخل بي فلم يكن معه إلا مثل هدبة الثوب فلم يقربني إلا هنة (١) واحدة، ولم يصل منّي إلى شيء أفأحلُّ لزوجي الأول؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تحلين لزوجك الأول حتى يذوق الآخر عسيلتك وتذوقي عسيلته" (٢)، متفق عليه.

وسئل -صلى اللَّه عليه وسلم- أيضًا عن الرجل يطلق امرأته ثلاثًا فيتزوجها الرجل فيغلق الباب ويرخي الستر، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها؟ قال: "لا تحل للأول حتى يجامعها الآخر" (٣)، ذكره النسائي.


= أقول: وقول أحمد عن الحديث: إنه ليس له أصل، كأنه استنكار منه للمتن، وقد فسر الحافظ ابن حجر قوله: "لا ترد يد لامس" في "التلخيص"، ونقل أقوال أهل العلم، فارجع إليه.
(١) في المطبوع: "بهنة" والمثبت من (ك).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) رواه النسائي (٦/ ١٤٨ - ١٤٩) في (الطلاق): باب أمرك بيدك، والبيهقي (٧/ ٣٧٥) من طريق شعبة عن علقمة بن مرثد، قال: سمعت سلم بن زرير يحدث عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر.
ورواه أحمد (٢/ ٢٥، ٦٢) والنسائي (٦/ ١٤٩)، والبيهقي (٧/ ٣٧٥)، (وهذا هو لفظ الحديث الذي ذكره المؤلف) من طرق عن سفيان عن علقمة عن رزين بن سليمان الأحمري عن ابن عمر به.
قال النسائي: هذا أولى بالصواب. =

<<  <  ج: ص:  >  >>