للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي بعضها أنه أمر فحفُرِت له حفيرة، ذكره مسلم (١)، وهي غلط من رواية بشير بن المهاجر، كان كان مسلم قد روى له في "الصحيح" فالثقة قد يغلط على أن أحمد وأبا حاتم الرازي قد تكلما فيه، وإنما حصل الوهم من حفره للغامدية فسرى إلى ماعز واللَّه أعلم.

وجاءته -صلى اللَّه عليه وسلم- الغامدية فقالت: إني قد زينت فطهّرني، وإنه ردَّها، فقالت: تردّني، كما رددت ماعزًا فواللَّه إني لحبلى، فقال: اذهبي حتى تلدي، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، فقالت: هذا قد ولدته، فقال: اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتت به وفي يده كسرة من خبز، فقالت: هذا قد فطمته وأكَلَ الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضح الدم على وجهه فسبَّها، فسمع نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سبَّه إياها فقال: "مهلًا يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحبُ مُكْس لغفر له"، ثم أمر بها فصلى عليها ودُفنت (٢)، ذكره مسلم.


(١) هو في "صحيحه" (١٦٩٥) بعد (٢٣) من حديث بريدة، في إسناده بشير بن المهاجر كما قال المؤلف، قال فيه أحمد: منكر الحديث وقد اعتبرت حديثه فإذا هو يجيء بالعجب، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال البخاري: يخالف في بعض حديثه.
وقال ابن عدي: روى ما لا يتابع عليه، وهو ممن يكتب حديثه وإن كان فيه بعض الضعف.
أقول: ومسلم إنما ساق حديث ماعز من طريق علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه، وليس فيه ذكر الحفر لماعز.
ثم ساق طريق بشير هذا عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه فذكر الحفر فيكون بشير قد خالف في هذا من هو أوثق منه، ومسلم إنما ساق حديثه في المتابعات.
وقد روى أبو سعيد الخدري حديث الرجم -وقد تقدم قريبًا- وفيه: قال: فما أوثقناه ولا حفرنا له، وحديث أبي سعيد هذا عند الإمام مسلم أيضًا (رقم ١٦٩٤) ورواته ثقات مشاهير لم يُتكلَّم في واحد منهم كما تكلم في بشير هذا.
ومما يؤيد عدم الحفر ما ورد في حديث أبي هريرة -وقد تقدم- فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اذهبوا به فارجموه، فرجمناه بالمصلى فلما أذلقته الحجارة هرب، فادركناه بالحرة فرجمناه".
فرجمهم إياه بالمصلى وهروبه فيها دليل على أنه لم يحفر له، واللَّه أعلم.
وأما البيهقي -رحمه اللَّه- فكأنه يميل إلى الحفر، فينه لما ذكر حديث أبي سعيد في عدم الحفر أتبعه بذكر حديث بريدة، ثم ذكر شاهدين في الحفر للمرأة (٨/ ٢٢١).
لكن حديث بريدة عرفت ما فيه، والحفر للمرأة لا يدل على الحفر للرجل، وحديث أبي سعيد أقوى وأنظف إسنادًا واللَّه أعلم.
(٢) رواه مسلم (١٦٩٥) بعد (٢٣) في (الحدود): باب من اعترف على نفسه بالزنا من حديث بريدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>