للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحقق ابن القيّم في كتبه: "إعلام الموقعين" و"إغاثة اللهفان" و"زاد المعاد" ووافقهما وأيّدهما من أعلام السنّة وفقهاء الحديث بعدهما. . . " إلخ كلامه.

قال أبو عبيدة: ومن سنن اللَّه الكونية الشرعية معًا: أنه لا يبقى إلا الأصلح، وثمار كثير من المصلحين لا تظهر إلا بعدهم، وهكذا كان في هذه المسألة التي أطنب المصنف في التدليل عليها، وأصبحت علمًا عليه، وأصبح علمًا عليها (مع شيخه ابن تيمية)، فإننا نشاهد ونسمع في جل بلاد الإسلام اليوم أن قوانين المحاكم الشرعية (١) على المذهب الذي ارتضاه المصنف (٢).

ثم ذكر المثال الثامن، وهو في (موجبات الأيمان والأقارير والنذور)، وهذا أوسع باب، وفيه أظهر أمثلة على تغير الأحكام بتغير الزمان، إذ مدار ذلك على العرف من جهة، وعلى الأحكام الاجتهادية من قياسية ومصلحية من جهة أخرى، وفي هذا يقول أستاذنا مصطفى الزرقا رحمه اللَّه: "وقد اتفقت كلمة فقهاء المذاهب على أن الأحكام التي تتبدّل بتبدّل الزمان وأخلاق الناس هي الأحكام الاجتهادية من قياسية ومصلحية، أي: التي قررها الاجتهاد بناء على القياس أو على دواعي المصلحة، وهي المقصودة بالقاعدة الآنفة الذكر: "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان".

أمّا الأحكام الأساسية التي جاءت الشريعة لتأسيسها وتوطيدها بنصوصها الأصلية الآمرة الناهية كحرمة المحرمات المطلقة، وكوجوب التراضي في العقود، والتزام الإنسان بعقده، وضمان الضرر الذي يلحقه بغيره، وسريان إقراره على نفسه دون غيره، ووجوب منع الأذى وقمع الإجرام وسدّ الذرائع إلى الفساد، وحماية الحقوق المكتسبة، ومسؤولية كل مكلف عن عمله وتقصيره، وعدم مؤاخذة بريء بذنب غيره. . . إلى غير ذلك من الأحكام والمبادئ الشرعية الثابتة التي جاءت الشريعة لتأسيسها ومقاومة خلافها، فهذه لا تتبدَّل بتبدُّل الأزمان بل هي الأصول التي جاءت بها الشريعة لإصلاح الأزمان والأجيال، ولكن وسائل تحقيقها وأساليب تطبيقها قد تتبدل باختلاف الأزمنة المحدثة.

فوسيلة حماية الحقوق مثلًا -وهو القضاء- كانت المحاكم فيه تقوم على أسلوب القاضي الفرد، وقضاؤه على درجة واحدة قطعية؛ فيمكن أن تتبدَّل إلى


(١) انظر مثلًا: قانون (٢٥) لسنة (١٩٢٩ م) للمحاكم الشرعية بمصر.
(٢) انظر: "فقه السنة" (٢/ ٢٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>