للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسلوب محكمة الجماعة، وتعدد درجات المحاكم بحسب المصلحة الزمنية التي أصبحت تقتضي زيادة الاحتياط لفساد الذمم.

فالحقيقة: أن الأحكام الشرعية التي تتبدَّل بتبدل الزمان، مهما تغيَّرت باختلاف الزمن؛ فإن المبدأ الشرعي فيها واحد، وهو إحقاق الحق، وجلب المصالح، ودرء المفاسد، وليس تبدُّل الأحكام إلا تبدُّل الوسائل والأساليب الموصلة إلى غاية الشارع؛ فإن تلك الوسائل والأساليب في الغالب لم تحددها الشريعة الإسلامية، بل تركتها مطلقة؛ لكي يختار منها في كل زمان ما هو أصلح في التنظيم نتاجًا وأنجح في التقويم علاجًا" (١).

وقد حمَّل بعض الناس (٢) كلام ابن القيم رَحمه اللَّه ما لا يحتمل، حتى إنهم جعلوه وكأنه يقرر جواز تفسير النصوص أو تغيير الاجتهاد المبنى عليها تبعًا للمصلحة! هكذا على الإطلاق!!

والذي يظهر -بل هو المتيقن- أن ابن القيم رحمه اللَّه ما أراد ذلك، ويتبين هذا بأمور منها:

أولًا: أن الأمثلة التي أوردها ابن القيم في ذلك الفصل تدور كلها على الحالات التالية:

الأولى: الحالة التي يُثبِتُ تَغيرَ النصِ فيها نصٌّ آخرُ، كنهي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تقطع الأيدي في الغزو (٣).

وفي هذا المثال عطل الحد في ظرف خاص بنصٍّ خاص، بل وجد مانع شرعي من قيام الحد، دل عليه النص، وهذه الحال تختلف تمامًا عن الدعوى التي حمل عليها كلام ابن القيم، وينادي بها العقلانيون (أصحاب الفكر المستنير)!! زعموا!

الثانية: الحالة التي تتعارض فيها المصالح التي تثبتها النصوص، كترك إنكار المنكر إذا كان يستلزم ما هو أنكر منه، وهذه الحال كسابقتها، لا تدخل في الدعوى التي ادّعي أن كلام ابن القيم يدل عليها.

الثالثة: حالة يستعمل فيها القياس، وإلحاق الأشباه والنظائر بأمثالها التي تثبتها النصوص، كما في حديث المصرّاة: "من اشترى شاة مصراة، فهو فيها


(١) المدخل الفقهي العام (٢/ ٩٢٤ - ٩٢٥).
(٢) انظر: "فلسفة التشريع في الإسلام" (ص ٢٤١) لصبحي المحمصاني.
(٣) انظر تخريجه في (٢/ ٤٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>