للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يُعَاقَب بذنبه، ولا يُثاب بحسناته، ولا تجب عليه الزكاة ولا الحج بغنى الآخر، ثم [قد] (١) أجمع الناس على صحة بيعِه منه وإجَارتِه ومُضاربتِه ومُشاركتِه، فلو امتنعت (٢) له لكونه جزءًا منه؛ فيكون شاهدًا لنفسه لامتنعت هذه العقود؛ إذ يكون عاقدًا لها مع نفسه.

فإن قلتم: هو مُتَّهم بشهادته له، بخلاف هذه العقود؛ فإنه لا يتهم فيها معه.

قيل: هذا عَوْد (٣) منكم إلى المأخذ الثاني، وهو مأخذ التهمة، فيقال: التهمة وحدها مستقلة بالمنع، سواء كان قريبًا أو أجنبيًا، ولا ريب أن تهمة الإنسان في صَدِيقِهِ وعَشِيره ومن يعنيه (٤) مودته ومحبته أعظم من تهمته في أبيه وابنه، والواقع شاهد بذلك، وكثير من الناس يُحابي صَديقَه وعَشيرَه وذا وُدِّه أعظم مما يحابي أباه وابنه.

فإن قلتم: الاعتبار بالمظنة، وهي التي تنضبط، بخلاف الحكمة؛ [فإنها] (٥) لانتشارها وعدم انضباطها لا يمكن (٦) التعليل بها.

قيل: هذا صحيح في الأوصاف التي شهد لها الشرع بالاعتبار، وعَلَّق بها الأحكام، دون مظانها، فأين علق الشارع عدم قبول الشهادة بوصف الأبوة أو البنوة أو الأخوة؟ والتابعون إنما نظروا إلى التهمة، فهي الوصف المؤثر في الحكم، فيجب (٧) تعليق الحكم به وجودًا وعدمًا، ولا تأثير لخصوص القرابة ولا عمومها، بل قد توجد القرابة حيث لا تهمة، وتوجد التهمة حيث لا قرابة، والشارع إنما علق قبول الشهادة بالعدالة وكون الشاهد مرضيًا، وعلَّق عدم قبولها بالفسق، ولم يُعلِّق القبول والرد بأجنبية (٨) ولا قرابة.

قالوا: وأما قولكم: "إنه غير متهم معه في تلك العقود" فليس كذلك، بل هو متهم معه في المحاباة، ومع ذلك فلا يوجب ذلك إبطالها، ولهذا لو باعه في


= - ٣٨١) وهو حديث صحيح، صححه الحاكم ووافقه الذهبي، والبوصيري في "مصباح الزجاجة"، وصححه ابن حبان حيث رواه في "صحيحه" (٦٥٦٢)، وله شواهد أخرى تجدها في "إرواء الغليل" (٧/ ٣٣٢).
(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٢) في (ق) بعدها: "شهادته".
(٣) في (ك): "هذه دعوى".
(٤) في (ق): "يصنعه".
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(٦) في (ن) و (ك): "لم يمكن".
(٧) في (د): "فجيب" كذا بتقديم الجيم على الياء، والتصويب من باقي النسخ و (ن).
(٨) في (ق): "بأجنبي".

<<  <  ج: ص:  >  >>