ولهذا قال البوصيري في "زوائد ابن ماجه" (ورقة / ب): "هذا إسناد ضعيف، محمد بن سعيد هو المصلوب، اتهم بوضع الحديث"، وقال ابن حجر في "موانقة الْخُبْر الْخَبر" (١/ ١٢٢): "لا يصلح حديثه لاستشهاد ولا متابعة". نعم، لم يتفرد به محمد بن سعيد المصلوب؛ فقد رواه آخر عن عبادة بن نُسَيّ، ولكن إسناده لا يفرح به؛ فقد أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (١٦/ ٣١٠/ أ) من طريق سليمان الشاذكوني: نا الهيثم بن عبد الغفار، عن سَبْرة بن معبد، عن عُبادة به، ولكن الشاذكوني كذاب؛ فهذه الطريق كالماء، لا تشدُّ شيئًا. فالخلاصة: أن هذين الطريقين غير صحيحين، ولهذا قال الحافظ عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى" (٣/ ٩٦): "لا يسند، ولا يوجد من وجه صحيح"، بل قال ابن الملقن في "البدر المنير" (٥/ في ٢١٤): "وهو حديث ضعيف بإجماع أهل النقل فيما أعلم"، ونقل فيه عن ابن دحية في كتابه "إرشاد الباغية والرد على المعتدي مما وهم فيه الفقيه أبو بكر بن العربي": "هذا حديث مشهور عند ضعفاء أهل الفقه، لا أصل له؛ فوجب اطراحه". عودة إلى الحارث بن عمرو: اضطرب الإمام الذهبي في الحكم على "الحارث بن عمرو"؛ فقال في ترجمته في "الميزان" (١/ ٤٣٩): "ما روى عن الحارث غير أبي عون؛ فهو مجهول"، وأورده في "مختصر العلل" (ص ١٠٤٦ - ١٠٤٧)، وقال: "قال ابن الجوزي وغيره: الحارث مجهول، قلت (الذهبي): ما هو مجهول، بل روى عنه جماعة، وهو صدوق إن شاء اللَّه". كذا قال هنا، مع أنه قال في "الميزان": "مجهول"؛ فانظر إلى هذا الاضطراب (١). ولم يذكر لنا الجماعة الذين رووا عنه، أما إخراج بعضهم له من حيز الجهالة؛ -كما فعل الكوثري في "مقالاته" (ص ٦٠ - ٦١) - بمجرد قول شعبة: "ابن أخي المغيرة بن شعبة"؛ فلا شيء لأنه لم يقل أحد من علماء الحديث أن الراوي المجهول إذا عرف اسم جده أو بلده، بل اسم أخي جده، خرج بذلك عن جهالة العين إلى جهالة الحال، قال الخطيب في "الكفاية": "المجهول عند أهل الحديث من لم يعرفه العلماء، ولا يعرف حديثه إلا من جهة واحد. . . "، ومن ثم؛ فإن قول: "وهو ابن أخي المغيرة بن شعبة": يحتمل أن تكون ممن هو دون شعبة، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط من الاستدلال. =