ضعّف هذا الحديث كثير من المحدثين بجهالة أصحاب معاذ، قال ابن حزم: "هذا حديث ساقط، لم يروه أحد من غير هذا الطريق، قلت: أي طريق الحارث: وأول سقوطه أنه عن قوم مجهولين لم يسموا؛ فلا حجة فيمن لا بعرف من هو"، وقال بعد نَقْل قول البخاري السابق فيه ما نصه: "وهذا حديث باطل لا أصل له"، وقال الجورقاني: "وأصحاب معاذ من أهل حمص لا يعرفون، ومثل هذا الإسناد لا يعتمد عليه في أصل من أصول الشريعة"، وكذا قال ابن الجوزي في "الواهيات". وأعله الحافظ العراقي في "تخريج أحاديث البيضاوي" (ص ٨٧ - بتحقيق العجمي) بجهالة أصحاب معاذ -أيضًا-، وسيأتي كلامه إن شاء اللَّه تعالى. ورد المصنفُ هذه العلة؛ فأجاب عنها بقوله في "إعلام الموقعين" الآتي: "وأصحاب معاذ كان كانوا غير مسمين؛ فلا يضره ذلك؛ لأنه يدل على شهرة الحديث، وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق، بالمحل الذي لا يخفى. . . " (١)، وكذا قال ابن العربي في "العارضة" (٦/ ٧٢ - ٧٣)، وقبله الخطيب في "الفقيه والمتفقه" (١/ ١٨٩). قلت: وكلامهم متين وقوي، ولكن علة الحديث غير محصورة في جهالة أصحاب معاذ؛ فالحديث يعل بالعلة الأولى والأخيرة، ولا يعل بهذه، ولبسط ذلك وتوضيحه أقول في كون هذه الحلة قاصرة غير صالحة: أخرج البخاري -الذي شرطه الصحة- حديث عروة البارقي: سمعت الحي يتحدثون عن عروة، ولم يكن ذلك الحديث في جملة المجهولات، وقال مالك في "القسامة": "أخبرني رجال من كبراء قومه"، وفي "الصحيح" عن الزهري: "حدثني رجال عن أبي هريرة: من صلى على جنازة؛ فله قيراط". فجهالة أصحاب معاذ جرح غير مؤثر، لا سيما أن مذهب جمع من المحدثين كابن رجب، وابن كثير تحسين حديث المستور من التابعين، والجماعة خير من المستور كما لا يخفى، ولهذا لم يذكر ابن كثير في "تحفة الطالب" هذه العلة ألبتة، مع أن كلامه يفيد تضعيفه للحديث. تنبيه: وقال الذهبي في "مختصر العلل" (ص ١٠٤٦ - ١٠٤٧) في رد هذه العلة: "وقال -أي ابن الجوزي-: وأصحاب معاذ لا يعرفون، قلت (الذهبي): ما في أصحاب محمد بحمد اللَّه ضعيف لا سيما وهم جماعة". كذا وقع فيه، والعبارة لا تخلو من أمرين: إما سليمة فهذا وهم من الذهبي -رحمه اللَّه-، فأصحاب معاذ ليسوا أصحاب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ حتى يقال فيهم هذا الكلام، والسياق يدل على أنهم من التابعين، والتابعي يجوز أن يكون ضعيفًا، وإما خطأ من النساخ، =