للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= العلماء له، وكأني بالجورقاني يرد عليهم عندما قال في "الأباطيل" (١/ ١٠٦): "فإن قيل لك: إن الفقهاء قاطبة أوردوه في كتبهم واعتمدوا عليه؟ فقل: هذه طريقة، والخَلَف قلّد فيه السلف، فإن أظهروا غير هذا مما ثبت عند أهل النقل رجعنا إلى قولهم، وهذا مما لا يمكنهم ألبتة"، وكذلك ابن الجوزي عندما قال في "العلل المتناهية" (٢/ ٢٧٢): "وهذا حديث لا يصح، وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه".
هل معنى حديث معاذ صحيح؟
اختلف العلماء: هل معنى هذا الحديث صحيح أم لا؟ فمن نفى صحة معناه؛ فنفيه لصحة مبناه من باب أولى؛ ولكن كان سبب صحة معناه عند بعضهم صحة مبناه؛ فكأنه صححه لشواهده، واعتدل الآخرون فنفوا صحته من حيث الثبوت، وأثبتوها من حيث الدلالة، وإن كان إطلاق ذلك لا يسلم من كلام ما سيتبين معك -إن شاء اللَّه تعالى-.
فممن صحيح معنى الحديث، وانبنى عليه تصحيحه لمبناه: الإمام الذهبي؛ فقال في "مختصر العلل"؛ "هذا حديث حسن الإسناد، ومعناه صحيح؛ فإن الحاكم يضطر إلى الاجتهاد، وصح أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد وأخطأ فله أجر".
فتحسينه وإسناده غير صحيح؛ إذ لم يسلم من علة الإرسال، وجهالة الحارث؛ ولكن تصحيح معناه فيما يتعلق بالاجتهاد عند فقدان النص صحيح، لا مجال للقول بخلافه، لا سيما أن شواهده كثيرة من نصوص أخرى تؤكد هذا المعنى.
وأطلق ابن الجوزي تصحيح معنى الحديث في "العلل المتناهية" (٢/ ٢٧٢)، وإن كان يرى عدم ثبوته؛ فقال: ". . . ولعمري إن كان معناه صحيحًا، إنما ثبوته لا يعرف".
قلت: وإطلاق تصحيح معناه فيه نظر؛ فمتنه لا يخلو من نكارة؛ إذ فيه تصنيف السنة مع القرآن، وإنزاله إياه معه منزلة الاجتهاد منهما، فكما أنه لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص في الكتاب والسنة؛ فكذلك لا يأخذ بالسنة إلا إذا لم يجد في الكتاب، وهذا التفريق بينهما مما لا يقول به مسلم، بل الواجب النظر في الكتاب والسنة معًا، وعدم التفريق بينهما؛ لما علم من أن السنة تبين مجمل القرآن وتقيد مطلقه، وتخصص عمومه؛ كما هو معلوم، أفاده شيخنا الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم ٨٨١).
الخلاصة والتنبيهات:
وخلاصة ما تقدم أن حديث معاذ هذا أعل بثلاث علل، لم تسلم إلا واحدة منها، وهي جهالة أصحاب معاذ، وبقيت اثنتان، وهما جهالة الحارث والإرسال؛ فهو ضعيف من حيث الثبوت، وصحيح في بعض معناه، ومنكر في التفرقة بين الكتاب والسنة من حيث الحجية، وحصر حجية السنة عند فقد الكتاب؛ كما ذكرناه آنفًا.
ونختم الكلام على هذا الحديث بملاحظتين:
الأولى: أفاد ابن حزم في "ملخص إبطال القياس" (ص ١٤) أن بعضهم موه وادّعى فيه التواتر!! قال: "وهذا كذب، بل هو ضد التواتر؛ لأنه لا يعرف إلا عن أبي عون، وما =

<<  <  ج: ص:  >  >>