للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتصرف لنفسه ولموكله، ولهذا كان الشريك وكيلًا بعد قبض المال والتصرف وإن كان متصرفًا لنفسه، فإن تصرفه لا يختص به، ثم ناقضتم هذا الفرق فقلتم: لو قال: "أبرئ نفسك من الدَّيْن الذي عليك" فإنه لا يتقيدُ بالمجلس، ويكون توكيلًا، مع أَنَّه تصرف مع نفسه؛ ففرَّقتم بين "طلِّقي نفسك" و"أبرئ نفسك مما عليك من الدين" وهو تفريق بين متماثلين، فتركتم محض القياس.

وقالوا: من أقام شهود زور على أن زيدًا طَلَّق امرأته فحكم الحاكم بذلك فهي حلال لمن تزوجها من الشهود، وكذلك لو أقام شهود زور على أن فلانة تزوجته بولي ورضى فقضى القاضي بذلك فهي له حلال، وكذلك لو شهدوا عليه بأنه أعتق جاريته هذه فقضى القاضي بذلك فهي حلال لمن تزوجها ممن يدري باطن الأمر؛ فتركوا محض القياس وقواعد الشريعة، ثم ناقضوا فقالوا: لو شهدوا له زورًا بأنه وهب له مملوكته هذه أو باعها منه لم يحل له وطؤها [بذلك] (١)، ثم ناقضوا بذلك أعظم مناقضة فقالوا: [لو شهدا] (٢) بأنه تزوجها بعد انقضاء عدتها من المطلق وكانا (٣) كاذِبَيْن فإنها لا تحل وحَبْسها على زوجها أعظم من حبسها على عدته؛ فأحلّوها في أعظم العِصْمَتين، وحَرَّموها في أدناهما، وحرمة النكاح أعظم من حرمة العدة.

وقلتم: لا يُحد الذميُّ إذا زنى بالمسلمة ولو كانت قُرشيَّة علوية (٤) أو عَبَّاسية [ولا بسبِّ] (٥) اللَّه ورسوله وكتابه ودينه جَهْرةً في أسواقنا ومجامعنا، ولا بتخريب مساجد المسلمين ولو أَنَّها المساجد الثلاثة (٦)، ولا ينتقض عهده بذلك، وهو معصوم المال والدم، حتى إذا منع دينارًا واحدًا مما عليه من الجزية وقال: "لا أعطيكموه" (٧) أنتقضَ بذلك عَهدُه (٨)، وحَل ماله ودمه، ثم ناقضتم من وجه آخر فقلتم: لو سرق لمسلم عشرة دراهم لقُطِعت يده، ولو قذفه حُدَّ بقذفه؛ فيا للقياس الفاسد الباطل المُناقِض للدين والعقل الموجب لهذه الأقوال التي يكفي في ردها


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٢) بدل ما بين المعقوفتين في (ك): "شهد".
(٣) في (ق): "فكانا".
(٤) في (ق) و (ك): "قرشية أو علوية".
(٥) في (ق): "ولو سب".
(٦) "المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد الرسول بالمدينة المنورة، والمسجد الأقصى، وعيَّنها لما تختص به من مزيد الشرف" (ط).
(٧) في (ق) و (ك): "أعطينكموه".
(٨) في (ق) و (ك): "انتقص عهده بذلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>