للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّفس بالمعاصي، وبيَّن لهم أنه الشرك، وذَكَر قولَ لقمان لابنه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)} [لقمان: ١٣] (١) مع أن سياق اللفظ عند (٢) إعطائه حقه من التأمل يبين ذلك؛ فإن اللَّه سبحانه لم يقل ولم يظلموا أنفسهم، بل قال: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: ٨٢] ولَبْسُ الشيء بالشيء تغطيتهُ به وإحاطته به من جميع جهاته، ولا يغطي الإيمانَ ويحيطُ به ويلبسه إلا الكفرُ، ومن هذا قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٨١)} [البقرة: ٨١] فإن الخطيئة لا تحيط بالمؤمن أبدًا، فإن إيمانه يمنعه من إحاطة الخطيئة به، ومع أن سياق قوله: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١)} [الأنعام: ٨١] ثم حُكمُ اللَّه أعدلُ حُكمٍ وأصدقُه أَنَّ مَنْ آمن ولم يلبس إيمانه بظلم فهو أحق بالأمن والهُدى، فدل على أن الظلم الشِّرك، وسأله عمر بن الخطاب (٣) -رضي اللَّه عنه- عن الكَلالَة وراجعه فيها مرارًا، فقال: تكفيك آية الصَّيف (٤)،


= شديدًا فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قاربوا وسددوا، ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة، حتى النكبة يُنْكبها أو الشوكة يشاكها"، وانظر له -لزامًا- "غرر الفوائد المجموعة" (رقم ١٩ - بتحقيقي ضمن "الإمام مسلم بن الحجاج ومنهجه في الصحيح".
(١) أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب الإيمان): باب ظلم دون ظلم (١/ ٨٧/ رقم ٣٢)، و (كتاب الأنبياء): باب قول اللَّه -تعالى-: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} (٦/ ٣٨٩/ رقم ٣٣٦٠)، و (كتاب أَحاديث الأنبياء): باب قول اللَّه -تعالى-: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} (٦/ ٤٦٥/ رقم ٣٤٢٨، ٣٤٢٩)، و (كتاب التفسير): باب {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (٨/ ٢٩٤/ رقم ٤٦٢٩)، وباب سورة لقمان (٨/ ٥١٣/ رقم ٤٧٧٦)، و (كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم): باب إِثم من أشرك باللَّه وعقوبته في الدنيا والآخرة (١٢/ ٢٦٤/ رقم ٦٩١٨)، وباب ما جاء في المتأولين، (١٢/ ٣٠٣/ رقم ٦٩٣٧)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الإيمان): باب صدق الإيمان وإِخلاصه، (١/ ١١٤ - ١١٥/ رقم ١٢٤)، عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-.
وقال بعض أهل العلم: "فتكون الآية {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} من قبيل: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)} فلا يقال: كيف يتأتى لبس الإيمان بالشرك، ولا يوجد الإيمان معه؟! وفي قصة الصحابة في الآية، والحديث الدلالة الواضحة على أَن هذه المطلقات من النواهي غير الصريحة لم تحدد تحديدًا يوقف عنده؛ فهي في الآية والحديث في أعلى مراتب النهي، وقد فهم الصحابة أنها شاملة للمراتب الأخرى".
(٢) في (ق): "مع".
(٣) في (ق): "عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-".
(٤) هي آية الكلالة التي في آخر النساء؛ لأنها نزلت في الصيف، أما الأولى نزلت في الشتاء (و).

<<  <  ج: ص:  >  >>