للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، فلما قام به أولئك سقط عن الباقين، فلم يكونوا ظالمين بسكوتهم، وأيضًا فإن اللَّه سبحانه إنما عذب الذين نَسُوا ما ذُكِّروا به وعَتْوا عمَا نُهوا عنه، وهذا لا يتناول الساكتين قطعًا، فلما بين عكرمة لابن عباس أنهم لم يدخلوا في الظالمين المعذبين كَسَاه بُرْدَة [وفرح به] (١)، وقد قال عمر بن الخطاب للصحابة: ما تقولون في: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)} [النصر: ١] السورة؟ قالوا: أمر اللَّه نبيَّه إذا فَتحَ عليه أن يستغفره، فقال لابن عَبَّاس: ما تقول أنت؟ قال: هو أجلُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أعلمه إيَّاه، فقال: ما أعلمُ منها غيرَ ما تَعلم (٢)، وهذا من أدق الفهم وألطفه، ولا يدركه كل أحد، فإنه سبحانه لم يُعلِّق الاستغفار بعلمه (٣)، بل علّقه بما يحدثه هو سبحانه من نعمة من فَتْحِه على رسوله ودخول الناس في دينه، وهذا ليس بسببٍ للاستغفار، فعلم أن سببَ الاستغفار غيرُه (٤)، وهو حضور الأجل الذي من تمام نعمة اللَّه على عبده توفيقه للتوبة النصوح والاستغفار بين يديه ليلقى ربه طاهرًا مطهرًا من كل ذنب فيقدم عليه مسرورًا راضيًا مرضيًا عنه، ويدل عليه أيضًا قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر: ٣] وهو -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُسبِّح بحمده دائمًا (٥)، فعلم أن المأمور به من


(١) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (٢/ ٢٤٠)، ومن طريقه الطبري في "تفسيره" (١٥٢٧٢) أخبرنا ابن جريج قال: حدثني رجل عن عكرمة قال: جئت ابن عباس يومًا فذكره مطولًا جدًا وإسناده ضعيف لإبهام الرجل.
ورواه الطبري (١٥٢٧١) من طريق يحيى بن سليم عن ابن جريج عن عكرمة. . فأسقط منه الرجل المبهم، ورواه الطبري (١٥٢٦٩)، و (١٥٢٧٠) من طريق حماد عن داود عن عكرمة عن ابن عباس. . . وهو مختصر.
ورواية داود بن الحصين عن عكرمة ضعيفة، وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٢) رواه البخاري (٣٦٢٧) في (المناقب): باب علامات النبوة في الإسلام، و (٤٢٩٤) في (المغازي): باب منزل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الفتح، و (٤٤٣٠) باب مرض النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ووفاته، و (٤٩٦٩) في "التفسير" باب قوله: {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢)}، و (٤٩٧٠) باب قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)} من حديث ابن عباس عن عمر.
(٣) في المطبوع: "بعمله" وقال في هاش (ق): "لعله: بعمله" ثم ضرب عليه.
(٤) في (ن): "فعلم أنه غيره".
(٥) روى مسلم في "صحيحه" (٤٨٤) (٢١٨) من حديث عائشة قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يكثر من قول: "سبحان اللَّه وبحمده، استغفر اللَّه وأتوب إليه" قالت: قلت: يا رسول اللَّه ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها؟! قال: "جعلت لي علامة في أمتي إِذا رأيتها =

<<  <  ج: ص:  >  >>