للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيعه حتى يوجدَ وجوَّز منه بيع ما لم يوجد تبعًا لما وُجِد إذا دعت الحاجة إليه، وبدون الحاجة لم يجوّزه.

والثاني ما لا يمكن إيرادُ العقدِ عليه إلا في حال عَدَمِهِ [كالمنافع] (١)، فهذا جوَّزَ العقد عليه ولم يمنع منه.

فإن قلت: أنا أقيس أحد النوعين على الآخر، وأجعل العلة [مجرد] (١) كونه معدومًا.

قيل: هذا قياسٌ فاسد؛ لأنه يتضمن التسوية بين المختلفين، وقولك: "إن العلة مجرد كونه معدومًا" دعوى بغير دليل، بل دعوى باطلة، [فلمَ لا] (٢) يجوز أن تكون العلة في الأصل كونه معدومًا يمكن تأخير بيعه إلى زمنِ وجوده؟ وعلى هذا التقدير فالعلة مقيدة بعدمٍ خاص، وأنت لم تبيّن أنَّ العلةَ في الأصل مجرد كونه معدومًا، فقياسك فاسد، وهذا كافٍ في بيان فساده بالمطالبة، ونحن نبين بطلانه في نفسه، فنقول: ما ذكرناه علةٌ مطردةٌ، وما ذكرته علةً منتقضة، فإنك إذا عَلّلْت بمجرد العدم (٣) وَردَ عليك النقضُ بالمنافع كُلِّها وبكثيرٍ (٤) من الأعيان وما علّلنا به لا ينتقض، وأيضًا فالقياس المحْضُ وقواعد الشريعة وأصولها ومناسباتها (٥) تشهد لهذه العلة، فإنه إذا كان له حال وجود وعدمٍ كان في بيعه حال العدم مخاطرة وقمار، وبذلك علَّل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المنع حيث قال: "أرأيت إن منع اللَّه الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق؟ " (٦) وأما ما ليس له إلا حالٌ واحدٌ (٧) والغالبُ فيه السلامة فليس العقد (٨) عليه مُخاطرةً ولا قمارًا، وإن كان فيه مخاطرة يسيرة فالحاجة داعية إليه، ومن أصول الشريعة أنه إذا تعارضت المصلحة والمفسدة قدم أرجحهما، والغَرَر إنما نُهي عنه لما فيه من الضرر بهما أو بأحدهما (٩)،


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٢) قال في هامش (ق): "لعله: فإنه" وسقطت "لا" منها.
(٣) في (ك): "المعدوم".
(٤) في (ق) و (ك): "والكثير".
(٥) في (ق) و (ك): "ومناسبتها".
(٦) رواه البخاري (٢١٩٨) في (البيوع): باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، و (٢٢٠٨) باب بيع المخاضرة، ومسلم (١٥٥٥) في (المساقاة): باب وضع الجوائح، من حديث أنس بن مالك.
(٧) في (ق): "واحدة".
(٨) في (ن): "فليس العدم".
(٩) أخرج مسلم في "صحيحه" (كتاب البيوع): باب بطلان بيع الحصاة والذي فيه غرر، =

<<  <  ج: ص:  >  >>