للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يقين، ولي المشيخةَ في الحرمِ الشَّريف النَّبويِّ، على ساكنِه أفضلُ الصَّلاةِ والسَّلام، في عامِ سبعٍ وعشرين وسبعِ مئةٍ، بعدَ وفاةِ الشَّيخِ ناصرِ الدِّين نصرٍ عطاءِ الله، وكانَ قد صحبَ أكابرَ الأشياخ، وساداتِ المجاورين، والعلماء المتقين، وكانَ بهديهم يهتدي، وبطريقتهم يقتدي، وإلى خدمتِهم ينتمي، وعن المكارِه بهمَّتِهم يحتمي، وقفَ نفسَه على أفضلِ العباداتِ، فنالَ به أكملَ السَّعادات، وأجملَ المرادات، وذلكَ أنَّه لم يبرحْ في قراءةِ القرآن، وقِرى الأقران، ومدِّ الخُوان (١)، وسدِّ خَلَّة الإخوان، بالإنعامِ والإحسان، والمواظبةِ على القيام، والمداومةِ على الصِّيام، في أكثرِ الأيام، بذلَ في اللهِ الأنفاسَ والنَّفائس، وساسَ المنصبَ بعلوِّ هِمَّتِه وكانَ أحسنَ سائس، شرحَ اللهُ بولايتِه الصدور، وأطلعَ به مِن أُفقِ الكرمِ أتمَّ بُدور، ووقفَ أملاكًا كثيرة ما بينَ نخيلٍ ودور، وأعتقَ من الإماء والعبيد، زهاء الثلاثين بل تزيد، وكفلَ جماعاتٍ مِن الأراملِ والأيتام، وعمَّهم بالإنعام، ورتَّبَ لهم الشَّرابَ والطَّعامَ، والمسكنَ والملبسَ والمقام، وآَلهُمْ (٢) في جميعِ أحوالهِم أحسنَ إيالة، وبرَّهم ونعَّمهم بمثلِ ما بَرَّ به أهلَه وعيالَه. أمَّا شِدَّتُه على الأشراف فقد سبقَ فيه مَن تقدَّمَه وقَصَا (٣)، وأمَّا انقيادُه إلى الشَّرعِ الشَّريفِ، فكانَ إلى الأمدِ الأقصى، ومسابقتُه إلى الخيراتِ كانت شَدَّا، ومبادرتُه إلى المآثرِ كانت جِدًّا، ومساعدتُه لذوي الضَّرائرِ لا يَعرفُ له أحدٌ حدًّا، وملاطفتُه مع أولادِ المجاورين


(١) الخُوان: السُّفرة للطعام. "القاموس": خون.
(٢) آلهُم: ساسَهم، والإيالةُ الولاية، وفي المثَل: أُلنا وإِيلَ علينا. "الصحاح": أول.
(٣) تحرَّفت في المخطوطة إلى: خفضا؟
قَصا: بَعُدَ. يقالُ: قصا المكانُ، يقصو، قُصوًّا: بَعُدَ. "الصحاح": قصا.