وقالَ عبدُ الرَّحمنِ بنُ زيدٍ فيما سمعَه ابنُ وهبٍ منه: إنَّه مكثَ دهرًا طويلًا عابدًا، يُصلِّي باللَّيلِ والنَّهار، ثمَّ نزعَ عن ذلك، وجالسَ العلماءَ، كالقاسمِ، فنطقَ بلُبٍّ وعقلٍ، فكانَ القاسمُ إذا سئلَ عن شيءٍ، قال: سلوه، وصار إلى فقهٍ وفضلٍ وعَفافٍ، وما كانَ بالمدينةِ رجلٌ أسخى منه، قالَ ابنُ وهبٍ: إنَّه أنفقَ على إخوانِه أربعين ألف دينار ثمَّ جعلَ يسأل إخوانَه في إخوانِه. وعن غيره: أنَّه كان يقولُ: المروءةُ ستُّ خصالٍ: ثلاثةٌ في الحَضَر: تلاوةُ القرآن، وعمارةُ الساجد، واتِّخاذُ الإخوانِ في الله، وثلاثةٌ في السَّفر: بذلُ الزَّاد، وحُسنُ الخُلق، والمزحُ في غيرِ معصيةٍ. ومِن ذلكَ: قدِمَ الزُّهريُّ المدينةَ فأخذَه بيده، ودخَلا المنزل، فما خرجا إلى العصر، وقالَ الزُّهريُّ في خروجِه: ما ظننتُ أنَّ بالمدينةِ مثلَه، وكذا قالَ الآخرُ، إلى غيرِ هذا مِن الثَّناءِ عليه، وهو ممَّنْ أُجمعَ على توثيقِه.
وكانَ يقولُ: مثلُ الذي يعجلُ بالفتيا قبلَ أن يتثبَّتَ، كمثلِ الذي يأخذُ شيئًا من الأرضِ لا يدري ما هو، قال الأويسيُّ عن مالكٍ: كانَ ربيعةُ يقول للزُّهريِّ: إنَّ حالي ليسَتْ تُشبهُ حالَكَ، قال: وكيف؟ قال: أنا أقول برأي، مَن شاءَ أخذه، ومَنْ شاء تركَه، وأنتَ تُحدِّثُ عن النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- فيُحفظ.
وعن مالكٍ قال: ذهبتْ حلاوةُ الفقهِ منذُ مات، وعن أنسِ بنِ عياضٍ أنَّ ربيعةَ وقفَ على قومٍ يتذاكرون القدَر، فقال ما معناه: لئنْ كنتم صادقين، فَلَمَا في أيديكم أعظمُ مما في يدي ربِّكم، إنْ كان الخير والشرُّ بأيديكم. قال: ووقفَ غَيلانُ (١) عليه،
(١) غيلانُ بنُ مسلمٍ، الضالُّ، كان غيرَ ثقةٍ ولا مأمونٍ، كان من بُلغاء الكتاب، وهو القائل بالقَدَر، وهو من أصحاب الحارث الكذَّاب، وممن اَمن بنبوته، وكان مالك ينهى عن مجالسته، وناظره الأوزاعي،=