للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الله، وكانت فيه لُكنةٌ، يلبسُ الصُّوفَ، ولا يأكل اللَّحمَ (١)، وله دريهماتٌ يُعالَج له فيها، وكانَ يمرُّ بي وأنا جالسٌ، فربَّما أفزعني حِسُّه مِن خلفي، فيضعُ يدهُ بين كتفي، فيقول لي: عليكَ بالجِدِّ، فإنْ كانَ مايقول أصحابُكَ هؤلاء مِن الرُّخَصِ حقًّا، لم يضرَّك، وإنْ كانَ الأمرُ على غيرِ ذلك كنتَ قد أخذتَ بالحذر.

وكانَ مملوكًا قد أعانَه النَّاسُ على فِكاكِ رَقبتِه، وأسرعَ إليه في ذلك، ففَضَلَ بعد الذي قُوطعَ عليه مالٌ كثير، فردَّه زيادٌ إلى مَن أعانه بالحِصص، وكتبَهم عنده، فلم يزلْ يدعو اللهَ لهم حتَّى ماتَ، رحمه الله.

قالَ: ودخلَ على عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ يومًا، وكانَ يُكرمُه، وإيَّاه عنَى الفرزدقُ بقوله (٢):

يا أيُّها القارئُ المُرخي عِمامتَهُ … هذا زمانُكَ، إني قدْ مَضى زَمني

زاد غيره: أنَّه بينما كانَ عمرُ المذكورُ يتغدَّى، إذ بَصُرَ به، فأمرَ حَرسيًا أنْ يكونَ معه، فلمَّا خرجَ النَّاسُ وبقيَ زيادٌ، قامَ عمرُ حتَّى جلسَ معه، ثمَّ قالَ: يا فاطمةُ، هذا زيادٌ، فاخرجي فسلِّمي عليه، هذا زيادٌ عليه جُبَّةُ صوفٍ، وعمرُ قد وليَ أمر الأمَّة، فجاشت (٣) نفسُه حتَّى قامَ إلى البيتِ فقضى عبرتَه، ثمَّ خرجَ، فعلَ ذلكَ


(١) إنَّ لُبسَ الصوف ليس من علاماتِ الزُّهدِ، كما أنَّ عدمَ أكل اللحم إن كان طبيعة للمرء فلا ضير، وأمَّا جعل ذلك دينًا فلا، إذ قد أكل النبي -صلى الله عليه وسلم- اللحم، كما ثبت ذلك عنه.
(٢) البيت لجرير في "ديوانه"، ص: ٦٥١، وليس للفرزدق، كما ذكر المؤلف، وبعده:
أبلِغْ خليفَتَنا إن كنتَ لاقِيَهُ … أني لدى البابِ كالمصفودِ في قَرَنِ
(٣) قال الجوهريُّ: جاشَتْ نفسي، أي: غَثَتْ، فإنْ أردتَ أنها ارتفعت من حزنٍ أو فزعٍ قلتَ:=