للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَلِيلًا إذ جاءَ الخَبَرُ بِحَجِّ السُّلْطانِ مِنَ الشَّامِ، وجاءَتْ الإقاماتُ، وَتهَدَّمَتْ الإرْجافاتُ، وَقَوِيَ حالُ أَهْلِ السُّنَةِ والجماعَةِ بعد تِلْكَ المَخَافَةِ.

وأَخْبَرَنِي الشَّيْخُ أبو عبدِ اللهِ محمَّدُ بنُ سالمٍ المَكِّيُّ: أنَّه كان ساكِنًا في المَدْرَسَةِ الشِّهابِيَّةِ في بَيْتٍ بإزاءِ بَيْتِ صَاحِبِ التَّرْجَمَةِ، قال: فكنْتُ أَدرسُ "التَّنْبِيهَ"، فَأَرْفَعُ صَوْتِي لِكَوْنِي جَهُورِيَّه، لا أُحْسِنُ أَقْرَأُ إلا كذلِك، ولا أَحْفَظُ إلا إنْ رَفَعْتُ صَوْتِي. قال: فَتَشَوَّشَ الشَّيْخُ مِنْ رَفْعِ صَوْتي؛ فقال لي: يا محمَّدُ اخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ. قالَ: فقلتُ له: يا سَيِّدِي ما أَقْدِرُ أَقْرَأُ إلا هكذا. فقالَ لي: فاخْفِضْ قَلِيلًا. فلم أَفْعَلْ؛ فأصابَنِي عارِضٌ في نَزْلَةٍ مَنَعَتْنِي أن أَتَكَلَّمْ؛ فَمَرَّ عِليَّ، فقال: يا محمَّدٍ، ما تَرْفَعُ صَوْتَكَ؟ فقلتُ بالإشارَةِ: يا سَيِّدِي أنا تائبٌ إلى الله. فَفَرَّجَ الله عَنِّي في الحينِ.

وكان صاحِبُ التَّرْجَمَةِ فَقِيهَ المدينةِ (١) وَمُفْتِيَها على مَذْهَبِ مالِكٍ، وكانَ إذا سُئِلَ عن المسألةِ يقول للسائلِ: هل سَأَلْتَ الشَّيْخَ أبا عبدِ الله ابنَ فَرْحونٍ؟ يعني: والِدِي، فإنْ قال: لا، يقول له: اذْهَب واسْأَلْهُ وأَخْبِرْنِي بَما يقولُ لَكَ، وإن قال: سَأَلْتُهُ. يقول: فماذا قال لَكَ؟ فإذا أَخْبَرَهُ نَظَرَ؛ فإنْ كان مما اتّفَقَا عليه أَمرَ السَّائِلَ به، وإن كان مخالفة ما قالَ لَهُ: اذْهبْ حتى أَجْتَمعَ بِهِ، فَيَجْتَمِعانِ وَيُحرِّرانِ المَسْأَلةَ، ثمَّ يَأْمُرَانِ جَمِيعًا السَّائِلَ بما يَتَّفِقانِ عليه، ولَمْ يزَالَا كذلِكَ حتى تُوُفِّيَ الشَّيْخُ قَبلَ وَالِدِي بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وجاءَتْ إلى السِّرَاجِ وَظِيفَةُ


(١) في الأصل: بالمدينة، ولا تستقيم العبارة، والمثبت من ابن فرحون.