للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التَّدْرِيسِ بِدَرْسِ سَلار، فَنَكَّبَ (١) عن وَالِدِي، وَطَلَعَ إلى صاحِبِ التَّرْجَمَةِ، وقال له: خُذْ هذه الوَظِيفَة فَدَرِّسْ فيها. فقال له: يا سرِاجَ الدِّينِ، وَأَينَ أَنْتَ عن الشَّيْخِ أبي عبدِ الله ابنِ فَرْحونٍ، والله إنَّه أَعْلَمُ وَأَحَقُّ بها مِنِّي. وامْتَنَعَ منها حتى رَجَعَ السِّرَاجُ يَطلُبُ لها والدِي، وكَانَ ذلكَ منه لشَيْءٍ خَشِيَ (٢) منْ وُقُوعِهِ، فَوَقَعَ ما تَوَقَّعَ، واللهُ غالِبٌ على أَمْرِهِ.

وَأَخْبَرَنِي الشَّيْخُ عُمَرُ الخَرَّازُ: أنّه حَضَرَ مَوْتَهُ، فكانَ يَقْرَأُ القُرْآنَ، فلمَّا فاضَتْ رُوحُهُ كانَ يَقْرَأُ آيَةً في سورةِ يوسُفَ، انْتَهَتْ قِرَاءَتُهُ إليْها، وهي قولُه تعالى: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (٣). وكان لي منه نَصِيبٌ وافِرٌ، وَدُعاءٌ كَثِيرٌ، أَرْجُو مِنَ اللهِ أنْ يُحَقِّقَ لي قَبُولَهُ.

وَذَكَرَهُ المَجدُ (٤)، فقالَ: كان مِنْ العُبَّادِ المُتَكَلِّمِينَ، والزُّهادِ المتَقَلّلِين، والأَوْلِياءِ المُحَقِّقِينَ، والأَسْخِياءِ المُتَصَدِّقَينَ، أُضِرَّ في أَوَاخِرِ عُمُرِهِ؛ فَعُرِضَ عليه الخِدْمَةُ والقِيَامُ بِنَحْوِ الطَّعَامِ والإدامِ، وما لا بدَّ منه للضَّرِيرِ مِنْ طَبْخٍ، أو مَلْءِ إِبْرِيقٍ مِنَ البِئْرِ؛ فَامْتَنَعَ وأبى كُلَّ الإِبَاءِ، وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الله سَبَبًا، باشَرَ بِنَفْسِهِ خِدْمَةَ نَفْسِهِ؛ فَثَبَّتَ اللهُ لذلك قَدَمَه، وَحَفِظَه عن اخْتِلالِ أَعْمالِ العُميانِ، وَعَصَمَه،


(١) في الأصل: فكتب، وهو تحريف، والمثبت من "نصيحة المشاور".
(٢) في الأصل: حسن، والمثبت من "نصيحة المشاور".
(٣) سورة يوسف، آية: ١٠١.
(٤) "المغانم المطابة" ٣/ ١٢٠٩.