للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عليها.

ذَكَرَ لِي -رحمه الله- أنَّه لمّا قَدِمَ المدينةَ سَكَنَ في رِباطِ السَّبِيلِ وهو على قِلَّةٍ وفَاقَةٍ؛ فكان يَطْوِي الأَيّامَ لا يَجِدُ شَيْئًا، ولا يُفْطَنُ له لِتَعَفُّفِهِ وتَكفُّفِهِ، حتى سَقَطتْ قُوَّتُهُ وخَشِيَ على نَفْسِهِ.

قال: وكان بِجِوارِي رَجُلٌ صالِحٌ يَذْهَبُ كُلَّ يَوْمٍ إلى البَرِّ، فيأتي بحُزْمَةِ حَطَبٍ يَبيعُها وَيَتَقَوَّتُ بها، وهو شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَكُنْتُ أُشْفِقُ عليه لمِا أَرى مِنْ ضَعْفِهِ، وكنتُ أَقْرَأُ على الشَّيْخِ عبدِ الحميدِ (١) القُرْآنَ تَجْوِيدًا مع جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ، ولا يَعْلَمُ أَحَدٌ بِحالِي، ولا ما أُقَاسِي مِنَ الجُوعِ والقِلَّةِ.

قال: فَجَلَسْتُ يَوْمًا في القِبْلَةِ في المَسْجِدِ، فَجَاءَنِي إنْسانٌ مِنْ وَرَائِي، وَرَمَى في حَجْري رَغِيفًا، وَذَهَبَ فَلَمْ أَعْلَمْه، ولا عَرَفْتُ مَكانَه. قال: فَأَخَذْتُ الرَّغِيفَ فَأَكَلْتُه؛ فَوَقَعَ في فَمِي شَيْءٌ، فَأَخْرَجْتُه، فَوَجَدْتُه دينارًا مَغْرِبِيًا؛ فَأَخَذْتُه وذهبتُ به إلى السُّوقِ في الوَقْتِ، وأخذتُ به طعامًا، وتَقَوَّتُّ به أيامًا، ثمَّ عُدْتُ إلى ما كنتُ عليه من الفَاقَةِ، فعادَ كصنيعِه الأوَّل، ثمّ عُدْتُ فعاد، وصِرْتُ أَتَعَجَّبُ من مَعْرِفَتِه بحالِي، بحيث ظَنَنْتُه مَلَكًا أو وَلِيًّا، ولما فَرَغَ ما كان عندي في المَرَّةِ الثالثةِ ارْتَقَبْتُه؛ فلما جاءَ حَقَّقْتُ فيه النَّظَرَ، فَعَرِفْتُه وأنَّه جارِي الحطَّابُ. فقلتُ: هذا هو الحقُّ؛ لأنَّه يعلمُ مِنْ حالي ما لا يَعْلَمُه غبرُه، فإنَّ بابي ببابِه قال: فمالتْ إليه نَفْسِي


(١) عبد الحميد بن علي الموغاني، ترجم له في مكانه.