للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَوَانَسْتُه، فانْعَطَفَ عَلَيَّ (١) مع كَراهَتِه ظُهورَ إحْسانِه إليَّ، ثمّ تَخَيَّلْتُ أنّه يُنْفِقُ مِنَ

الغَيْبِ، أو معه عِلْمٌ مِنَ الصَّنْعةِ؛ لأنَّ مَنْ ظَفِرَ بإحدى الخَصْلتيْنِ زَهدَ في الدُّنيا،

وطَلَبَها بِتَعَبِ النَّفْسِ؛ ليكونَ ذلك من شُكْرِ الله الذي مَلَّكَهُ ما لم يُمَلِّكْهُ غيرَه. قال: فأَنِسْتُ به حتى سَأَلْتُه عن سَبَبِ تَكَلُّفِه نَقْلَ الحَطَبِ مع السَّعَةِ. وقلتُ له: هذا غيرُ نَظَرٍ مِنْكَ لك. فقال: أردْتُ أشياءَ يا مِسْكين؛ منها التَّسَتُّرُ عن الخَلْقِ، وذُلُّ النَّفْسِ، وتَهْذِيبُها؛ فإنها إذا مَلَكَتْ طاشَتْ وطَغَتْ. ولم أَزَلْ به حتى أَخْبَرَنِي أنه عِلْمٌ وَرِثَه وانْفَرَدَ به (٢). فسَألتُه أن يُعَلمَنِيه لأَذْكُرَه به، وأَسْتَعِين به على حالي. فقال لي: إنْ صَحِبْتَني إلى بلادي عَلَّمْتُكَ، وإلا هنا فلا. فأقام إلى المَوْسِمِ ثمّ سافَرَ، ولم يَقْطَع اللهُ بِي. انتهى.

وما مات حتى تَزَوَّجَ زَوْجَةً صالِحةً كان يقول: إنَّه في بَرَكَتِها. واتَّسَعَ حالُه، واشْتُهرَ ذِكْرُه، وكان يَاْمُرُ بالمَعْروفِ، ويَنْهَى عن المُنْكَرِ، وزَوْجَتُه مَيمونَةُ على قدَمٍ في العبادةِ والخَيْرِ. ماتَ عَقِبَ الحجِّ، فإنَّه حَجَّ ماشِيًا من طَرِيقِ الماشِي، فلما كَمُلَ حَجُّهُ اجْتَمَعَ بِي في مِنًى، وقال لي: قد عَجِزتُ عن الرُّجوعِ ماشِيًا. فاكْتَرَيْتُ له واسْتَصْحَبْتُه إلى المدينة؛ فلم يُقمْ بعد المَوْسِمِ إلا قَلِيلًا، ثم ماتَ في أَوَّلِ سَنَةِ سِتٍ وخَمْسِين وسَبْعِ مئة.


(١) في الأصل: عليه، وما أثبته من "نصيحة المشاور" ص ١١٩.
(٢) هذا ليس بعلمٍ محمودٍ حتى يُحرَصَ على تعلُّمه، وهذه الطريقةُ ليست من سبلِ تهذيب النفس المشروعة، وخيرُ الهديِ هَديُ محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-.