للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لكونِه لم يزل كذلك.

قالَ ابنُ فرحونٍ (١): إنَّه كانَ من الشُّيوخِ المعدودين في زمانِهم، من العلماءِ الحكماءِ المُجدِّين، المُطَّلِعين على علومِ الأوَّلين، مِن حكمةٍ، ومنطقٍ، وهندسةٍ، وفلسفةٍ، خيِّراً (٢)، مُنقطعاً للمجاورةِ، مشغولاً بنفسِه، جمعَ مِن الكتبِ الجليلةِ ما لم يجمعْه أحدٌ من جنسِه، أتى بها من بلادِه، مشتملةً على أصولٍ وأمهاتٍ، ودواوينَ من تفسيرٍ، وفقهٍ، وحديثٍ، وتاريخ، وطبٍّ، ومنطقٍ، وحِكمةٍ، وعلومٍ شتَّى لا يعرفُها أهلُ زماننا، ولا يفهمُها إلا مَنْ عالجَ أصولهَا، وأدركَ شيوخَها، وقلَّ مَنْ يفهمُها مِن أهلِ المدينةِ، وكانَ فيها مِن كلِّ فنٍّ تصانيفُ عِدَّةٌ.

واجتمعَ عندَه عيالٌ وأولادٌ، فكانَ إذا أرادَ الحجَّ أدخلَ عليهم ما يحتاجون إليه من طعامٍ وماءٍ وإدامٍ، وسدَّ البابَ عليهم بالبناء، حتَّى لا يصلَ أحدٌ إلما بيته، ولا يطَّلعَ على حالِه، ولا يزالُ البيتُ كذلك حتَّى يأتيَ من مكَّة، فيفتحَ هو عليهم. ماتَ في سنة إحدى وسبعِ مئةٍ، وتركَ أولاداً صغاراً، فوصَّى عليهم وعلى مالِه وكتبِه نورَ الدِّين ابنَ الصَّفيِّ (٣) فقيهَ الإمامية، فلمَّا كبِرَ الأولادُ سافروا إلى مصر، وبعثوا مع القاضي فخرِ الدِّين السنجاري (٤) وكالة بتسلُّمِها وبيعِها، فبيعت، كما


(١) "نصيحة المشاور"، ص: ١٦١.
(٢) في "نصيحة المشاور": حبراً، وما هنا أصوبُ.
(٣) عليّ ابنُ الصَّفيَّ، تأتي ترجمته في حرف العين.
(٤) أبو بكر بنُ أحمدَ، فقيه حنفيٌّ، رحل من مصر إلى المدينة، وأذَّن فيها، وتولى القضاء، كان معظَّماً عند الناس يقضي حوائجهم، ويلبي دعواتهم، وكان يقال له: سمسار الخير، مولده سنة ٦٦٦ هـ، ووفاته سنة ٧٣٩ هـ. "نصيحة المشاور"، ص: ١٥٦، و"الدرر الكامنة" ١/ ٤٣٩.