للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكانَ مَن وَلِيَ مِن أقاربِه ومعارفِه شيئًا لا يُكلِّمُه. بلْ لمَّا وُليَ أخوه عمرُ المدينةَ، وكرمانَ، واليمامةَ هجرَه حتَّى ماتَ. وكانَ مُنعزلًا بناحيةٍ غربيَّ المدينةِ، يلزمُ المقبرةَ كثيرًا، ومعَه كتابٌ ينظرُ فيه، ويقول (١): ليسَ شيءٌ أوعظَ مِن قبرٍ، ولا آنسَ مِن كتابٍ، وأقسمَ بنعمةِ ربِّه قبلَ موتِه: لو أنَّ الدُّنيا تحتَ قدَمِه ما يمنعُه مِن أخذِها إلّا أنْ يُزيلَ قدمَه، ما أزالهَا، وأنَّه لا يملكُ يومئذٍ سوى سبعةِ دراهمَ مِن لحِاءِ شجرٍ فَتَلَه بيدِه.

وهو ممَّنْ أقبلَ على الحلالِ المحضِ، وقالَ لابنِ عُيينةَ: ما أحدٌ يدخلُ عليَّ أحبُّ إليَّ منكَ، وفيكَ عَيبٌ، فقال: ما هو؟ قالَ: حبُّ الحديثِ، أمَا إنَّه ليسَ مِن زادِ الموتِ. ومعَ ذلك فقد عينَّه ابنُ عيينةَ بأنَّه (٢) عالمُ المدينةِ (٣) المشارُ إليه بالحديثِ، وانفردَ بذلكَ، والحقُّ تعيينُ مالكٍ لذلكَ معَ ما قيلَ في تعيينِ غيرِهما، كما بسطتُه في مقدِّمةِ "طبقات المالكية" (٤).

ولم يكنْ بالمدينةِ أهيبَ منه عندَ السُّلطانِ والعامَّةِ. وأخبارُهُ طويلةٌ تحتملُ كراريسَ، وهو في "التهذيب" (٥). ماتَ بقربِ المدينةِ في الباديةِ المشارِ إليها سنةَ أربع وثمانين ومئةٍ عن ستٍّ وستين سنةً. رحمَه اللهُ وإيَّانا.


(١) "المحاسن والأضداد" للجاحظ ص: ٧.
(٢) في المخطوطة: لأَنَّه، وهو خطأ.
(٣) "سير أعلام النبلاء" ٨/ ٥٧.
(٤) الكتاب غير مطبوع.
(٥) "تهذيب الكمال" ١٥/ ٢٤١، و"تهذيب التهذيب" ٤/ ٣٨١.