للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وبما كانَ فيهِ مِنْ مكارمِ الأخلاقِ والنَّفسِ، والإحسانِ للغُرباءِ الواردينَ عليهِ منَ العلماءِ؛ فإنَّهُ كان لهم كالأبِ الشَّفِيقِ، وكونِهِ منْ أهلِ الصَّلاحِ والتَّقوى مع انجماعِهِ وانقباضِهِ عمَّنْ عداهم مِنَ النَّاسِ، وانتهتْ إليهِ مشيخةُ الصُّوفيةِ بالحرمينِ، فإنَّه كانَ في زِيّهم ولِباسهِم وأخلاقِهِم في أعلى المراتبِ.

وكانَ إِمامًا في عِلْمَي الرِّجالِ والحديثِ مع حَردةٍ (١)، وسكينةٍ، وِحشمةٍ مع ما رُزقَ من الشِّكالةِ الحسنةِ، والخِصالِ المُستحسَنةِ، ولم يتزوَّجْ قطُّ (٢)، بل كان عندهُ جوارٍ يقومونَ بِخدمتِهِ وخدمةِ أصحابِهِ.

ولما تُوُفِّيَ أبوهُ قامَ بِخدمَةِ أخيهِ التَّقِيِّ أبي الحزمٍ عبدِ الرَّحمنِ، وكفلَ أيضاً بنَ أختِهِ عبدَ العزِيزِ بنَ يحيَى بنِ العفيفِ، فربَّاهما جميعًا، وأشغلهُمَا بالعلمِ على الشُّيوخِ، وكانَ كلُّ شيخٍ ذي علمٍ يَرِدُ إلى المدينةِ يُحسنُ إليهِ، ويُلزمُهُما العَكوفَ عليهِ.

وامتُحِنَ في دُنياهُ في سنةِ اثنتينِ وأربعين بعدَ موتِ الطواشيِّ مختارٍ البغداديِّ؛ لكونِهِ كانَ وَصيًّا على أولادِ العفِيفِ ابنِ مزروعٍ، وهم أولادُ أختِ العفيفِ هذا. وكانَ (٣) الوالي في المدينةِ يومئذٍ ثابتَ بنَ جمَّازٍ نيابةً عن أخيهِ وُدَيٍّ، فطلبَ العفيفَ،


(١) يقال: رجلٌ حَرِدٌ، ورَجُلٌ حَرْدٌ: مُعْتَزِلٌ. "القاموس المحيط": حرد.
(٢) لقد حث الشرع الحكيم على الزواج، وهو من هدي النبي، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا؛ لَكِنِّى أُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي".
(٣) في المخطوطة: واتهم، والتصويب من "نصيحة المشاور".