للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الآخرةِ، ولزِمَ تلقينَ القرآنِ طولَ نهارِهِ في المسجِدِ، لا تراه إلا في حلمةٍ بينَ كِبار وصغارٍ، وكهولٍ وشيوخٍ، وانتفعَ بهِ من أبناءِ المدينةِ خلقٌ كثيرٌ، لكن مع تجويدٍ وتحريرٍ، وتربيةٍ لهم، وضبطٍ وشدٍّ، حتَّى إنَّه ليضربُ ذا الشَّيبةِ بيد، ويأخذُ بلحيته وأذنِهِ.

أقامَ بمَكَّةَ هو وأخوه في الله الشَّيخُ الصالحُ المهذَّبُ: يحيى التُّونسيُّ، وكانا قد اصطحبَا قديمًا، وتواخَيا في الله، وصحبَا الشُّيوخَ، وجالا في البِلادِ على قدمِ التَّجريدِ (١)، وزيارةِ الصَّالحين، ولقاءِ المشايخِ، واتفقَ لهما في أيام سياحتِهما ومدَّةِ تنقُّلهما في البلادِ عجائبُ وغرائبُ، ولقيَا مِنَ السَّادةِ: جماعةً كبيرةً، منهم: أبو العبَّاسِ المُرْسِي، فمَن بعدهُ من الشَّاذليةِ، وغير هم في أيامِ إقامتهما بمصرَ، وردَ عليهما من العجمِ: النَّجمُ الأصبهانيُّ شيخُ مَكَّةَ، فصحباه وخدماه، بل واجتمعا بهِ أيضًا عند المُرْسِي بإسكندريةِ، ورافقاه منها إلى مَكَّةَ مِن جهةِ الصَّعيد، ونفدَ الزَّادُ منهم، فلم يكنْ لهم قوتٌ إلا من نباتِ الأرضِ، فلمَّا أشرفوُا على القربِ من قبرِ أبي الحسنِ الشَّاذليِّ، قالَ لهما النَّجمُ: إذا كان غدًا إنْ شاء الله فسترِدُون قبرَ أبي الحسن، وضيافتكم عنده لَوْزٌ وزبيبٌ (٢)، فكان كذلك. فلمَّا


(١) التجريد مصطلح صوفي مفاده عندهم: أن يتجرد المرء بظاهره عن الأعراض وبباطنه عن الأعواض، وهو ألا يأخذ من عرض الدنيا شيئا ولا يطلب على ما ترك منها عوضا من عاجل، ولهم في طريقة حصوله حكايات غريبة منكرة.
(٢) مثل هذا لا يدرى من الذي جاء به، فقد يكون بعض أصحاب سدنة القبور مما يعنى بذلك، وقد يكون استدراجًا من الشيطان للتعلق بها.