للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وصلوا إلى عَيْذَاب (١) تلقَّاهم الناس، وأضَافُوهم كثيرًا، فكانَ النَّجمُ يبعثُ بالطَّعامِ إلى أهلِ القافلةِ التِي صحباها، مع كونِهم كانوا [يعاملونهم] (٢) بقسوةٍ شديدةٍ عليهم في الحاجةِ، ولذا ندمُوا الآن على تفريطِهم في خدمةِ الشَّيخِ، ثمَّ قالَ النَّجمُ ليحيَى التُّونسيَّ -أحدِ مَن رافقهم- ولصاحبِ التَّرجمة: يا يحيى وعبدَ الحميدِ! لن تجوعا بعد هذه الجوعةِ أبدًا (٣)، فكان كذلكَ.

وأقاما معهُ بمَكَّةَ مدَّةً طويلةً، وتزوَّجَ يحيى زوجةً حنث فيها، ولم يثقْ بمَنْ يحلِّلُها إلا بصاحبِ التَّرجمةِ، فسعى في تزويجهِ بها، فلمَّا حملتْ عِندهُ تشوَّف يحيى إلى أن يطلِّقها لتحلَّ لهُ، فلم يفعل؛ لاغتِبَاطِهِ بها، وقال لهُ: لا أكونُ له محلِّلًا، ولم أتزوَّجْها بهذه النِّية، بل لصحبةِ الأبد (٤)، فاقطعْ رجاءَك منها، ولا تكنْ ممَّن يفسد ما هو لله بما للدُّنيا، فكفَّ عنها الشَّيخُ يحيى، وأقامتْ معَ صاحبِ التَّرجمةِ، فولدتْ له إبراهيمَ وإسماعيلَ وبنتًا، وسافرَ بهم إلى مصر، يريدُ التعريفَ بهم والإعانةَ عليهم، وكان يقول قبلَ سفرِه: ما أظنُّ أجِلي إلا قد (٥) قرب؛ فإني مسافرٌ من غيرِ


(١) هي بالفتح ثم السكون وذال معجمة وآخره باء موحدة: بليدة على ضفة بحر القلزم، هي مرسى المراكب التي تقدم من عدن إلى الصعيد. "معجم البلدان" ٤/ ١٧١.
(٢) ما بين المعكوفين ليس الأصل، والسياق يقتضيه.
(٣) هذا القول مما يستقبل من الأمور، وفيما لا حدود للمرء بعلمه، فحريٌّ اجتنابه، وتعليق ذلك إن كان من باب الرجاء بمشيئة الله.
(٤) في "نصيحة المشاور": الأدب.
(٥) قوله: قد كتبت فوق السطر.