للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثمَّ يعودُ، فلمْ يتهيَّأ لهُ، وعُزلَ بالبدرِ حسنِ بنِ أحمدَ القيسيِّ في سنةِ ثمانٍ وأربعينَ، ثمَّ أعيدَ بعدَ نحوِ عشرِ سنينَ في سنةِ تسعٍ وخمسينَ، واستمرَّ حتَّى مات.

قالَ ابن فرحونٍ (١): هو الشيخُ الإمامُ العلَّامةُ، ولِيَ القضاءَ والخِطابةَ والإِمامةَ بالمدينةِ [تقيُّ الدِّينِ عبدُ الرَّحمن بنُ عبدِ المؤمِنِ بن أسيدِ بنِ عبدِ الملكِ الهورينيُّ] (٢)، وقدِمها في ذِي الحِجَّةِ سنةَ خمسٍ وأربعين، وكانَ مِنْ قضاةِ العدلِ، انتهت إليهِ الرِّياسةُ والعَقد، ذو السياسةِ مع العلمِ الغزيرِ، والعقلِ الرَّاجحِ الذي ليس عليهِ مزيدٌ، لم يرقَ المنبرَ أحسنُ منه، صورةً وشكالةً وشيبةً، مع الهيبةِ العظيمة، والقيامِ في الحق، والنصرة للشرعِ.

واستنابني في الحكمِ عنه فَسُسْتُ النَّاس، وسددتُ الأحكام، وجريتُ على الصُّلح، فمال إليَّ أهلُ المدينةِ، لاسيما وكنتُ لا آخذُ شيئًا في حكمٍ ولا بيوتٍ ولا وراثة، بل ربما أُعطِي مَن أتحققُ ضرورتَهُ من الغُرماءِ، فأعرضوا عن قضاةِ الإماميةِ واعتزلوهم، وتركُوا المحاكمة عندَهم، وتألموا مِن هذا، بحيثُ اجتمعُوا بالأميرِ طفيل، وشكوا عليهِ انقطاع رِزقِهم بسببِ ما كانوا يأخذونهُ في ذلك من الأخصامِ، فقال لهم: إذا سكتَ عنكم وعن أحكامِكم فلا تطلبون منه غيرَه.

وكذا قال لي القاضي نجمُ الدِّين مهنا بنُ سنانٍ (٣) -وكان أعلمَهم وأرأسَهم-:


(١) "نصيحة المشاور" ص ٢٢١، بتصرف.
(٢) في الأصل: الشرف الأميوطي، والمثبت من "نصيحة المشاور" ص ٢٢١.
(٣) مهنَّا بنُ سنانِ بنِ عبد الوهابِ الحسيني، الإماميُّ، قاضي المدينة، توفي سنة ٧٥٤ هـ. "الدرر=