للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأخذَ عنهُ الفضلاءُ في الفقهِ والأصلينِ، والعربيَّةِ والمعانِي والبيانِ، والقراءاتِ وغيرِها، وأسمَعَ الكتبَ الكبارَ، وكانَ زائدَ الذَّكاءِ والتودُّدِ، حسنَ العِشرةِ والفتوَّةِ والتَّواضُعِ، مع جَودةِ الخطِّ، وتوسُّعِ النَّظمِ والنَّثرِ، ولكن كَثُرَ استرواحُهُ في الإقراءِ والتَّواضُعِ، بحيثُ لم يحمدهُ كثيرُون فِيهما، وربَّما استشعرَ ذلك، فبالغَ عندَ الغرباءِ في الاعتذارِ، وامتنَعَ مِن عملِ الخُلعِ متمسكًا بأنَّهُ (١) غالبًا حيلةٌ، وهي لا تجوزُ، ولم يُعجبْ ذلكَ فضلاءَ مذهبِهِ.

وأقبلَ بأَخَرَةٍ على الاشتغالِ بالذِّكرِ والأورادِ، والتِّلاوةِ الجيِّدةِ بصوتِهِ الشَّجِيِّ المنعشِ، حتَّى ارتقَى إلى غايةٍ شريفةٍ في الخيرِ، سِيِّما وهو يتوجَّهُ في كلِّ سنةٍ إلى المدينةِ النَّبويَّةِ، ويقيمُ بها غالبًا نصفَ سنةٍ، وربَّما أقامَ بها سنةً كاملةً. بل جمعَ بينَ المساجدِ الثَّلاثةِ في عامٍ، فإنَّهُ توجَّهَ في سنةِ ستٍّ وثمانين من مكَّةَ إلى المدينةِ، ثمَّ مِنها إلى الينبعِ، ثُمَّ في البرِّ إلى القاهرةِ، فأقامَ بِها يومينِ أو ثلاثةٍ حَريصًا على عدمِ الإعلامِ بِنفسهِ، ثُمَّ توجَّهَ إلى بيتِ المقدسِ فزارَهُ، ثُمَّ رجعَ إلى بلدِهِ.

وكثرَ اختصاصُ أولِي الأصواتِ اللَّينةِ ونحوِهم بِهِ، وهو يزِيدُ في الإحسانِ إليهِم، مع حُسنِ توجهٍ في التِّلاوةِ والإنشادِ، وجَلَدٍ على السَّهرِ في الأذكارِ والأورادِ، وخشوعٍ عندَ الزِّيارةِ، وخضوع حينئذٍ في العبارةِ، وميلٍ إلى الوفائِيةِ ونحوِهم، وإلى التَّنزُّهِ والبروزِ إلى الفضاءِ والحَدائقِ بالحرمينِ، سِيما مسجدِ قباءَ، ومشهدِ حمزةَ، ويعملُ في كلٍّ منهما مَولدًا (٢)، وإذَا خرجَ يكونُ معهُ ما ينَاسِبُ


(١) في الأصل: به، والمثبت من "الضوء اللامع" ٤/ ٢٧٣.
(٢) تقدَّم الكلام عليه ١/ ٢٧٤.