ويُهرعُ لهذه المشاهدِ جمهورُ النَّاسِ، ويكادُ أنْ يعمَّهُم بالإطعامِ، كما أنَّهُ يتكلَّفُ لكثيرِين من أهلِ القافلةِ، ولبعضِ منْ يمسُّهُ منهُ الأذَى سفرًا أو حَضرًا مِن أقربائِهِ وذوِي رحمِهِ. ولذَا وغيرِه كثرتْ ديُونُه، بحيثُ أخبرنِي أنَّها تقاربُ ثلاثةَ آلافِ دينارٍ.
وأنشأَ بكلٍّ منَ الحرمينِ بَيتًا، وأسنَدَ الخواجَا حسينُ بنُ قاوان إليهِ وصيتَهُ؛ لكونِهِ كان زَوجًا لأختهِ في آخَرِين، ولم يَسلمْ في كلِّهِ من مُنتقدٍ خصوصًا وهو يتَعَالى -عنِ الاجتماعِ- عن جُلِّ رفاقِهِ القُضاةِ، حتَّى لا يجلِسَ في محلٍّ لا يرضاهُ.
وقد رافقتُهُ في التَّوجُّهِ من مَكَّةَ إلى المدينةِ في سنةِ سبعٍ وثمانين، فحمدتُ مرافقَتَهُ وإِفضالَه، وكثرَ اجتماعُنا في الموضعينِ، وزُرنَا جميعًا كثيرًا من مشاهدِ المدينةِ: كقباءَ، والسيدِ حمزةَ، والعوالِي.
وسمِعَ منِّي، بل كتبتُ عنهُ مِن نظمِهِ وعندَهُ مِن تصانِيفِي عدَّةٌ، وكان يُعلِمنِي بما يستفيدهُ مِنها، ويَستصحِبُ بعضَها في أسفارِهِ ويتلذَّذُ بما يُعجِبُهُ فيها من العِبَاراتِ، ويُنبِّهُ جماعتَه على ذلك، وكُتُبهُ تَرِدُ عليَّ بالثَّناءِ البالغِ، والوصفِ لي بشيخِ الإسلامِ.
بل قالَ بحضرتِي في مجاورتِي الرَّابعةِ للقاضِي الشَّافعِي: ولم يخلفْ شيخُنا الأمينيُّ الأقصرائيُّ في طريقَتِهِ مع أهلِ الحرمينِ وكذا وكذا إلَّا فلانًا، ومرَّةً: وهو