للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثُمَّ مضَى إلى المسجِدِ، فعُلمَ بِمكانِهِ، فَفُتِحَ لهُ، ودخَلَ وصلَّى، كأنَّهُ ما كان شيءٌ جرَى، فكانَ ذلكَ الرَّجل يحكِي هذَا، فتعجبتِ النَّاسُ مِنهُ.

ولقد أخبَرَنِي بعدَ وفاةِ أبي -وكانَ مِمَّن يقرأُ عليهِ العربيةَ، وينتهِي من الكتابِ، ثُمَّ يعيدُهُ لطلبِ المؤانسةِ معنَا والمحبَّةِ في أبي- أنَّنِي أكونُ قي مقامِهِ، وأتولَّى ثلاثَ ولاياتٍ في ذلك العامِ، فكان كذلكَ. جاءَنِي مرسومٌ بالتَّدرِيسِ في المدرسةِ الشِّهابيةِ، وبدرسِ الفخرِ ناظرِ (١) الجيشِ، وبدرسٍ أقامنِي فيه شعيبُ بنُ أبي مدين صاحبُ المغربِ، وذلكَ كلُّهُ في سنةِ ثلاثٍ وعشرينَ وسبعِ مئةٍ، فأعانَ اللهُ تعالَى، ورزقَنِي الإقبالَ الكثيرَ على الاشتغالِ.

وكذَا جرَى لِي معهُ في سنةِ خمسٍ وثلاثينَ: أنَّهُ تحاملَ عليَّ بعضُ القُضاةِ ولفيفٌ منَ الحسدَةِ، ورمَونِي عند الأمِيرِ طُفيلٍ ببليةٍ، وهي: أن شخصًا ماتَ وتركَ عِندِي مالًا كثيرًا، ولم يكن مِن ذلك شيءٌ إلا أن الشَّخصَ المشارَ إليهِ تركَ عندِي مَبلغًا يَسيرًا، وصَّى بهِ في شِراءِ نُخيلاتٍ تكون وقفًا على السَّبيلِ، فأعلمتُ بذلكَ، واستشهدتُ شيخَ الخدَّامِ العزَّ دينارًا، وصاحبَ التَّرجمةِ. فأمَّا شيخُ الخدَّامِ فلمْ أقِمْ شهادتَهُ لتصريحِ طُفيلٍ، وأمَّا صاحبُ التَّرجمةِ فتكلَّمَ بغيظٍ وصوتٍ مرتفعٍ وانزعاجٍ، وقال: يا طفيلُ اتَّقِ اللهَ، وكرَّرَ يا طفيلُ، فصارَ طفيلُ يقولُ: اللهُ يجعلنَا يا


(١) النظر: وظيفة يتولى القائم بها أو يسمى الناظر - النظر في الأموال التابعة للدولة وينفذ تصرفاتها ويرفع إليه حسابها لينظر فيه ويتأمله فيمضي ما يمضي ويرد ما يرد، ومنها ناظر الجيش وناظر المواريث وغيرها، "صبح الأعشى" ٣/ ٤٧٢، ٤/ ٣٠ - ٣٨، ١٩١، ٥/ ٤٦٥.