للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كاسمِهِ، ولما انطوتْ عليهِ سريرَتُهُ مِن الخيرِ والصَّلاحِ، والتَّوكُّلِ على الله والزُّهدِ في الدُّنيا، والكراهةِ في الأمرِ والنَّهيِ، وسعيِهِ في مصالحِ دينِهِ، قانتًا لله خائفًا مِنه مُنيبًا إليه، وأوقاتُهُ مقسَّمةٌ في الطاعةِ ما بين خلوةٍ في عبادةٍ، أو نظرٍ في مصالحِ رعِيَّتِهِ، دائمُ الصَّمتِ، كثيرُ الخَشيةِ، يجلسُ في النَّادي فلا يخوضُ معهُم، ولا يضحكُ لضحِكِهم، قد لزِمَ السُّكوتَ وأشغلَ قلبَهُ بذِكرِ معادِهِ، إذا صلى الصُّبحَ جلسَ في مُصلَّاهُ لا يَتَكلَّمُ حتَّى يصلِّيَ الضُّحَى، مع حسنِ توجُّهٍ وإقبالٍ على اللهِ، وانصلحَ بهِ جميعُ قراباتِهِ، ورَدَّ المدينةَ إلى حالةٍ تُغبَطُ أهلُها على سُكنَاهَا منَ العافيةِ والأمنِ العَظِيمِ، وسلامةِ النَّاسِ في أنفسِهِم وأهلِيهِم وأموالهِم.

وكانَ كارهًا للولايةِ لولا ما يخافُ مِن خُروجِهَا عن آل منصورٍ لو تخلى عنها، ولا يزالُ يشكُو من المَكْس (١) والعُشُور، وَيمنعُ وزيرَهُ أن يُدخِلَهُ في طَعَامِهِ أو شَرَابِهِ حتَّى طهَّرهُ اللهُ تعالى بِحسنِ نِيَّتِهِ وصلاحِ سَرِيرَتِهِ، وعوَّضَهُ عنه الأشرف (٢) بإشارةِ أتابكِ (٣) الدولةِ يَلْبُغا، وسُرَّ بِذلك، ومع هذا فما كأنَّهُ كانَ أَمِيرًا، ولا أقامَ بالمدينةِ سنةً متواليةً منذُ وَلِيهَا، بل يقيمُ فيها إخوتَهُ أو ولدَه كراهيةً مِن مُباشرةِ


(١) المَكْس جمعه المُكُوس، وهو الْجِبَايَةُ، جباية أموال الناس بغير حق. "لسان العرب": مكس. والآن تسمى الضريبة.
(٢) الأشرفُ شعبانُ بنُ الحسينِ بنِ محمدِ بنِ قلاوونَ، زينُ الدِّين، سلطانُ مصر والشام، قتل في القاهرة سنة ٧٧٨ هـ. "الدرر الكامنة" ٢/ ١٩٠.
(٣) الأتابكية: منصبُ القيادةِ العامَّةِ للجيش، أو هو مقدَّمُ العسكرِ في عهدِ المماليك. والأتابك: هو أكبرُ الأمراء المقدَّمين بعد النائب. "صبح الأعشى" ٤/ ١٨، و "ذيل المعاجم العربية"، دوزي.