والدِي بهِ يومَ مجَيءِ الكتابِ، فجَاءَنِي مَن أعلمَنِي بمضمُونِهِ، فشقَّ عليَّ، ثُمَّ تذكَّرتُ الرُّؤيا، فقلتُ: هذا ما أخبرَ بهِ الوالدُ من خربشةِ البِسَسِ، واستسْهالي لها، فسُريَّ عني، وما كانَ بأسرعَ من مجَيء الشَّيخِ، محمَّدِ ابنِ الزَّينِ المراغي إليَّ، واستخبرني عنِ المقتضي للرَّغبةِ في الخلوةِ؟ فقلتُ لهُ: للقربِ والاعتكافِ ونحوِ ذلكَ، فأشارَ عليَّ بمكانٍ بجانبِ المسجدِ يحصلُ بهِ القرْبُ ونحوُه، فتحوَّلتُ لدارٍ ببابِ الرَّحمةِ مشهورةٍ بدارِ تميمٍ الدَّاري، فاكتَريتُها، ونقلتُ كتُبِي إليها، وكانتْ مُتشعثَةً خَرابًا، فأقمتُ بِها مُدَّةً، ولم يخطرْ بِبَالي قطُّ [أن] أملِكَها، ولا أنْ أعمرَ دارًا، ولا أضعَ لبِنةً على لبنةٍ، ولا أنْ أملكَ بالمدينةِ أبدًا دارًا، ثُمَّ بعدَ أن تحوَّلتُ قدِمَ شيخُ الحرمِ المشارُ إليهِ، وعلمَ بالمقاصدِ السَّيئةِ التي لم تُنهَ إليهِ على وجهِها في أمرِ الخلوةِ، أمرَ بردِّ مفتاحِها إليَّ بحيثُ كان ذلك سببًا لإنشاءِ قصيدةٍ في المدِيحِ النَّبويِّ تَزِيدُ على سِتِّين بيتًا، توسَّلتُ فيهَا بهِ (١) في دفعِ كيدِ الأعداءِ وبَغيِهم، ورأيتُ عَقِبها في منامِي ما يُؤذِنُ بالنَّصرِ مما شاهدتُهُ يقظةً.
وسافرتُ قبلَ الحريقِ الكائنِ في سنةِ ستٍّ وثمانينَ لمكَّةَ، ووردَ علينَا ونحنُ بِهَا أمرُهُ، فسافرتُ بعدَ الحجِّ لزيارةِ الوالدةِ، وكنتُ قد أرسلتُهَا السَّنةَ الثانيةَ من إِقامتِي بالمدينةِ لأجل الإخوةِ، فأدركتُ من حياتِها عشرةَ أيامٍ، ثُمَّ ماتت بِبلدنا سَمْهُودَ غروبَ شمسِ العاشرِ.
ثُمَّ رجعتُ لمصرَ، فأنعم الله بإلهامِ الأشرفِ بدفع مالٍ عندَ سفرِي آخرَ التي
(١) راجع التعليق على ذلك في المجلد الأول ص ٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute