انكسارِك، وأهبَ لكَ جميعَ حَجَّاتِي. قال: فسُرِّيَ عَنِّي.
وجاورتُ بِمَكَّةَ كلًا من سَنتينِ، وفي أثناءِ الأولى منهما جاءَنِي العِلمُ بوفاةِ شيخِنا الشَّمسِ الشُّروانيِّ في رجُوعِهِ للقاهرةِ، فتكلَّمَ لِي في خلوةٍ مع كوثرٍ أحدِ الخدَّامِ وأعلمَهُ بحَالِي، فأرسلَ إلى شيخِهِم بعد انفصالِ الموسمِ بمفتاحِ خلوةٍ دَاخلَ مؤخَّرِ المسجدِ بجانبِ المنارةِ الغربيةِ الشَّماليةِ، ولا سَقف لهَا.
وكانَ قد اتُّفقَ أنَّ البرهاني ابنَ ظَهِيرةَ قاضِي مَكَّةَ كتبَ لقاضِي المدينةِ الزَّكويِّ بما ينفعُهُ عندَ الله، فصارَ يتردَّدُ إليَّ، بحيثُ توسَّلَ بِي عندَهُ بعضُ المعتبَرين في بعضِ مآربِهِ، بل أحضَرَ صالحٌ سقفَ الخلوةِ وغيرَه، ولم يلبثْ أن سافرَ إلى الرُّومِ، فصارَ أخُوهُ الصَّلاحيُّ يقرأُ عليَّ، فاتَّفقتِ المرافعةُ فيهِ من الصَّلاحِ وغيرِه، فألقَى الشَّيطانُ في مخيِّلَتِهِ كونَ ذلكَ بتحرِيكِي، فبادرَ إلى تحريكِ أحدِ شيوخِ الخدَّامِ بِحيثُ رأيتُ ما وصفَ شيخُنا من إقبالِ النَّاسِ، ثُمَّ ما أشارَ إليهِ من الانحرافِ ممَّا أعظمُ أسبابِهِ إجابةُ المستفتِينَ عن المسائلِ العلميَّةِ، فأغرَى المستقرَّ حِينئذٍ في مشيخةِ الحرمِ، وكانَ لا يَعرفُنِي، وذلكَ قَبلَ وُصولِهِ لمحلِّ وِلايتِهِ، واستكتَبَهُ كِتابًا يتضمَّنُ الأمرَ بإخلاءِ الخَلوة التي كنتُ بها، ويوضَعُ زيتُ المسجدِ بِهَا.
فرأيتُ ليلةَ مَجِيءِ كتابِهِ والدِي بالمنامِ جَالسًا بالمصلَّى النَّبويِّ من الرَّوضَةِ الشَّريفةِ، وأنا خلفَهُ بِها، وهو في غايةِ الحزنِ والكآبةِ، فسألتُهُ عن سببِ ذلكَ؟ فقال: البِسَسُ في مؤخَّرِ الحَرمِ خَرْبَشُوني، فقلتُ له: يا سيدي، خَربشةُ البِسَسِ مِن الأمورِ السَّهلةِ، فاستبشرَ، وأشرقَ وَجهُهُ، وزالَ ذلكَ الحزنُ.