للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وإنْ لم يكنْ تحتَها طائلٌ، فنَفَرَتْ أنفسُهُمْ منه، وتفرَّقُوا عنه.

وممَّن كانَ يحضرُ درسَه غيرُ والدي: الجمالُ المطريُّ، وجماعةُ المالكيَّةِ، والشَّيخُ أبو عبدِ الله النَّحْوِيُّ، والعزُّ يوسفُ الزَّرَنْدِيُّ، والأديبُ أبو البركاتِ، فما منهم أحدٌ إلا نَفَرَ عنه وفارَقَ درسَهُ، لمِا يُسْمَعُ منه، فجلسَ يومًا في درسِه، فلم يَرَ منهم إلا مَن لا يُؤبَهُ له، فقالَ: أينَ أصحابُ اليمين؟ أينَ أصحابُ الشِّمال؟ أصحابُنا ضدُّ الأنصار، يكثرُونَ عند الطَّمَعِ، ويقِلُّونَ عند الفَزَعِ.

وقالَ له (١) بعضُ الطَّلَبَةِ: قالَ الشَّيخُ أبو إسحاقَ في هذه المسألةِ كذا، فقال: قَلقَلَ الله أنيابَهُ، فقيلَ له في ذلك، فقالَ: تَقَلْقَلَتْ منذُ زمانٍ.

وإذا قيل له: قالَ النَّوويُّ: كذا، يقولُ: يَعلُكُ النَّوى.

ويقولُ للمالكيَّةِ: أنتم تقولون: الكلبُ حيوانٌ ذو صُوفٍ، فلحمُه لحمُ الخروفِ، فيتأذَّونَ مِن ذلك. وكانَ يحضرُ درسَهُ أيضًا الفقيهُ الفاضلُ أبو العبَّاسِ أحمدُ الفاسيُّ، فجلسَ يومًا قريبًا منه، وكانَ يتجاهلُهُ، فقالَ: مَن هذا؟ فقال: أنا أحمدُ الفاسيُّ، فقالَ له: مِنْ: فَسَا يفْسُو فُسَاءً، فهو فاسٍ.

ولقِيَهُ أبو البركاتِ المشارُ إليه بعدَ تركِه درسَه، وخروجِه مِن المدرسةِ، وسكناه رباطَ دُكَّالةَ، فقالَ له السِّراجُ: مَنْ هذا؟ وكانَ يُظهِرُ التَّعاميَ وقِلَّةَ السَّمْعِ، وما هُمَا به، فقالَ: أنا أبو البركاتِ، فقال: أبو الهلكات. وأجابَه بقوله: {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} (٢) وافترقَا. ولقيه أيضًا يومًا في الطَّريقِ، فقالَ له: أنتَ أبو البركات؟، قال: نعم،


(١) في الأصل: وقاله، والمثبت من "النصيحة" ص ٢١٤.
(٢) {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} سورة يس، آية: ١٩.