للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكانَ السِّراجُ يواسي الضُّعفاء، ويتفقَّدُ الأراملَ والأيتامَ ببرِّهِ وزكاتِهِ، ويقصدُهُم بنفسِه في بيوتِهم، ولا يرُدُّ طالبَ قَرضٍ إذا جاءَ يقترض (١)، وكانَ فيه صبرٌ عظيمٌ واحتمالٌ كثيرٌ، حتَّى إنَّ رجلًا إماميًا في أيَّامِه مِن حَلَبَ كانَ يسكنُ في دارِ تميمٍ الداريِّ له ثروةٌ ورئاسةٌ، كانَ يجلسُ على طريقِ السِّراجِ عندَ بابِ الرَّحمة، فإذا دنَا منه يقولُ له: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} (٢)، هكذا أبدًا، وهو لا يجاوبه، ولا يَعْدُو الكلامَ له، حتَّى انتقمَ اللهُ له منه، وذلكَ أنَّه كانت له جاريةٌ، كأنَّه نقمَ عليها شيئًا، فعاقبَها حتَّى قتلَها، فبلغَ ذلكَ الأميرَ منصورًا فأمسَكَهُ، ودخلَ بيتَه، وأخذَ منه ألفَ دينارٍ.

وكانَ قبلَ ولايتِهِ الحكمَ طَوعًا للمعاصِرِين له مِن أهل الصَّلاح، يُصلِّي كما يشتهون من تطويلٍ وتقصيرٍ، وتكميلٍ للسُّورةِ في الرَّكعةِ، وملازمًا الطَّيلسانَ (٣)، ومَسْحَ جميعِ رأسهِ، وكانَ إذا جلسَ للدَّرسِ ينتظرُ كبارَ أصحابِهِ، حتَّى كانَ مرارًا يبعثُ إلى الوالدِ وهو في بيته بأنَّ الجماعةَ ينتظرونَهُ، فيتوضَّأ ويُصلِّي الصُّبحَ، ثمَّ يخرجُ إليه، فيجدُهُ جالسًا مع الجماعةِ لم يشرَعْ في الدَّرس.

فلمَّا وَلِي الحكمَ تنكَّرَتْ عليهم أخلاقُهُ، وصارَ يرمي عليهم كلماتٍ يَغيظهم بها؛


(١) في الأصل: بقرض.
(٢) سورة العلق، آية: ١٦.
(٣) الطَّيْلِسان: ضَربٌ من الأكسية يُلبس على الكتف، أو يحيط بالبدن، خالٍ عن التفصيل والخياطة. وهو فارسيٌّ مُعرَّبٌ. "لسان العرب": طلس.