للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثمَّ إنَّ السِّراجَ تزوَّجَ ابنةَ القِيشانيِّ، رئيسِ الإماميةِ وفقيهِهَا، بل قيل: إنَّه (١) لم يكن بالمدينة مَنْ يعرفُ مذهبَ الإماميَّةِ حتَّى جاءها القيشانيُّونَ من العراق، وذلك أنَّه كانَ لهم مالٌ كثيرٌ، فصاروا يؤلِّفُون به ضَعَفَةَ النَّاسِ، ويعلِّمُونهم قواعدَ مذهبهم، ولم يزالوا على ذلك حتَّى ظَهَرَ مذهبُهم، وكَثُرَ المشتغلون به، وعَضَدَه الأشرافُ إذ ذاك، ولم يكنْ أحدٌ يجسُرُ على كفِّهِم، فلمَّا صاهَرَهُمُ السِّراجُ انكفَّ عنه الأذى قليلًا، وصارَ يخطبُ ويصلِّي من غير حُكْمٍ ولا أمرٍ ولا نهيٍ، ثمَّ أُضيفَ إليه القضاءُ.

وجاءه تقليدُ النَّاصرِ محمَّد بنِ قَلاوونَ بذلك، مع خِلْعَةٍ وألفِ درهمٍ، وكانت فيه معرفةٌ ومدارةٌ، فقال: أنا لا أتولَّى حتَّى يحضرَ الأميرُ منصورُ بنُ جمَّازٍ، فأحضروه، فقالَ له السِّراجُ: جاءني مرسومٌ بكذا، وأنا لا أقبلُ حتَّى تكونَ أنت المولِّيَ لي؛ فإنَّكَ إنْ لم تكنْ معي لم يَتِمَّ أمري ولا ينفذُ حكمي، فقالَ له: قد رضيتُ وأَذِنْتُ، فاحكُم ولا تغيِّرْ شيئًا مِن أحكامِنا ولا حُكَّامِنا.

فاستمرَّ الحالُ على ذلكَ، يحكمُ بينَ المجاورين وأهلِ السُّنَّةِ، وآلُ سنانٍ يحكمون في بلادِهم على جماعتِهم، ومَن دُعِيَ مِن أهلِ السُّنَّةِ إليهم، ولا يقدرُ أحدٌ يتكلَّمُ في ذلك، بل التَّقدُّمُ في الأمورِ لهم، وأمرُ الحبسِ راجعٌ إليهم، والأعوانُ تختصُّ بهم، والإسجالاتُ تثبتُ عليهم، والسِّراجُ يستعينُ بأعوانِهم وبحبسِهم. واستمرَّ الحالُ كذلك حتَّى ماتَ السِّراجُ.


(١) في الأصل: إن.